أخطر ما في المشهد اليمني، الخطير والمرعب والمحزن، هو ظهور علم حزب الله وصورة حسن نصر الله، وترديد بعض الصيحات الطائفية، التي أعطت ما يجري في بلد سد مأرب، وبلقيس وأروى الصليحية، وبلد أهم وأكثر مخطوطات في المنطقة العربية، بعداً طائفياً، لم يعرفه اليمنيون الذين عرفوا خلافات كثيرة، لكنها كانت خلافات سياسية، والذين عرفوا انقلابات عسكرية صحبتها تصفيات دموية، لكنها كانت تصفيات سياسية، كما عرفوا حروباً طاحنة، كانت كلها جهوية وسياسية، لا طائفية.

Ad

لم يكن هناك أي إشكال بين المذهب الزيدي والمذهب الشافعي على الإطلاق، منذ نحو ألف عام وأكثر، بل إن "الزيديين" يعتبرون أن أقرب المذاهب إليهم هو المذهب الشافعي، والمعروف أن الإمام زيد بن علي زين العابدين قد تتلمذ على يدي شقيقه محمد الباقر، وأخذ عن الإمام أبي حنيفة النعمان، رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم.

ورغم انتشار الوباء الطائفي والمذهبي في العالم الإسلامي في بعض المراحل المريضة الطارئة، وأخطرها هذه المرحلة، وقبل ذلك مرحلة الصراع العثماني-الصفوي، فإن اليمن بقي بعيداً عن هذا الوباء، وكانت الحروب التي اشتعلت بين الشمال والجنوب، وآخرها حرب عام 1994 التي استهدفت وحدة عام 1990، حروباً سياسية، لا مذهبية، على اعتبار أن أهل الجنوب كانوا ومازالوا على المذهب الشافعي السني، بينما أغلبية أهل الشمال كانوا ومازالوا على المذهب الزيدي، الذي ربما لا يعرف معظم أتباعه حالياً، وعلى مدى حقب التاريخ أنه أحد فروع المذهب الشيعي الشريف.

ولهذا فإن ظهور علم حزب الله وصورة زعيمه حسن نصر الله، وترديد بعض الصيحات الطائفية في المشهد اليمني الحالي الملتهب، بقدر ما تبعث على الاستغراب بقدر ما تبعث على الخوف، لاسيما أن المنطقة العربية تشهد تمحوراً عنوانه مذهبي وطائفي، وحقيقته صراع على النفوذ وامتداد لصراعات إقليمية ودولية معروفة.

ربما لا يعرف قليلون من غير الأشقاء اليمنيين، الذين هم بأشد الحاجة في هذه الظروف الصعبة إلى حكمتهم القديمة التي تعود إلى ما قبل سبأ وصرواح، أن الرئيس عبد ربه منصور هادي هو شافعي من الجنوب، وكذلك رئيس الوزراء محمد باسنْدوة، وأن ما يجري الآن من أحداث توجع القلوب ليس سببها هذه الحقيقة، التي تبعث على الارتياح والاعتزاز، فالحركة "الحوثية"-الزيدية كانت قد بدأت مبكراً اعتراضاً على ما كان قد ساد من أخطاءٍ في زمن الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتأثراً بالاختلالات التي طرأت على المعادلات القبلية التقليدية، إنْ داخل قبيلة "بكيل" وإن داخل قبيلة "حاشد"، التي كانت تعتبر القبيلة الحاكمة، وإن داخل القبائل الأخرى التي كلها قبائل أصيلة لها امتدادات، وإن كانت غير واضحة في معظم الدول العربية.

وهكذا فإن اليمن يواجه الآن ظروفاً لم يواجهها بعد أول انقلاب عسكري، ذلك الانقلاب الذي أدى إلى ما اعتبر حرباً أهلية، مع أن الحقيقة أنها ليست كذلك، ولا بعد كل الانقلابات اللاحقة، والأخطر أن هذا البلد قد تحول لأسباب كثيرة، من بينها الإرث الثقيل الذي خلفته مرحلة علي عبدالله صالح، الطويلة جداً، إلى ساحة ملتهبة للصراعات الإقليمية، مشابهة لما عليه الوضع في ليبيا والعراق وسورية ولبنان، والسودان أيضاً.. والله يُسْتُر!