الإصلاح السياسي قبل الاقتصادي
إصلاح الاقتصاد والمالية العامة بما يحقق العدالة الاجتماعية يستلزم اتخاذ قرارات صعبة سياسياً وشعبياً، فالوضع الاقتصادي الحالي من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، استمراره، ولكن اتخاذ القرارات الصعبة يتطلب، بداية وقبل كل شيء، إدارة سياسية متطورة بنهج جديد يرتكز على مشروع واضح ومتكامل لبناء دولة مدنية دستورية عصرية.
إذا كان الإصلاح السياسي والدستوري مهماً في السابق، فإنه أهميته تزداد الآن في ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية المُعقّدة والمتسارعة، وفي ظل التحديات الجديدة في الساحتين الدولية والإقليمية، التي لا يمكن التعامل معها بجدية والتخفيف من تأثيراتها السلبية ما لم يكن هناك إدارة سياسية عصرية عالية الكفاءة، ولها قاعدة شعبية عريضة توفر الظهير الشعبي اللازم للسلطات والقرارات العامة. المنطقة الآن فوق صفيح ساخن، فهناك صراع دولي حاد من أجل إعادة تقسيمها بما يضمن استمرارية مصالح ونفوذ الدول الرأسمالية الاحتكارية التي تعاني أزمة بنيوية أشد وطأة من أزمة الكساد الكبير في عام 1929، حيث إنها تسببت في تدهور الاقتصاد العالمي. وفي السياق ذاته، هناك في الدول العربية كافة، وبدرجات متفاوتة، مطالبات شعبية واسعة ومستحقة تهدف إلى إقامة نظم حكم ديمقراطية تحمي الحريات وتحافظ على حقوق الإنسان، وتوفر العيش الكريم والعدالة الاجتماعية، ناهيك عن المشكلات الاقتصادية التي سيزيدها سوءاً انخفاض أسعار النفط، وما يسببه ذلك من اختلالات جديدة في الميزانية العامة للدولة التي تعاني أصلاً اختلالات هيكلية سببها الأول سوء إدارتها وانحيازها الاجتماعي، وهو الأمر الذي يعني المزيد من المعاناة وارتفاع تكاليف المعيشة بالنسبة إلى الفئات الوسطى وذات الدخول المحدودة، وهي مشكلات ومصاعب حياتية لا يمكن معالجتها من الإدارة السياسية التي سببتها وفشلت فشلا ذريعا في حلها.إصلاح الاقتصاد والمالية العامة بما يحقق العدالة الاجتماعية يستلزم اتخاذ قرارات صعبة سياسياً وشعبياً، فالوضع الاقتصادي الحالي من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، استمراره، ولكن اتخاذ القرارات الصعبة يتطلب، بداية وقبل كل شيء، إدارة سياسية متطورة بنهج جديد يرتكز على مشروع واضح ومتكامل لبناء دولة مدنية دستورية عصرية، وهذا الأمر لن يتحقق ما لم يكن هناك إصلاح سياسي دستوري شامل ينتج عنه تفعيل المؤسسات الدستورية وتوسيع المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات وتحمل تبعاتها مهما كانت قاسية.الإصلاح السياسي والدستوري ليس ترفاً بل ضرورة مُلحّة إن كنا نريد الاستقرار الاجتماعي-السياسي لوطننا، فالمنطقة العربية مُقبلة على تغييرات كبيرة وخطيرة بفعل عوامل داخلية أو خارجية، ولن تستطيع الدول المُقسّمة داخليا، طائفيا وفئويا ومناطقيا وإثنيا، أو التي تعاني أزمة سياسية داخلية حادة، مواجهتها، لا سيما أن المراهنات السابقة على القدرة المالية للدول النفطية، خصوصا دول مجلس التعاون، التي تمكّنها من شراء الرضا السياسي من خلال قرارات شعبوية لن تكون متوافرة في المستقبل القريب، إذا ما أخذنا في الاعتبار الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة، وانخفاض أسعار النفط لمستويات قياسية، ناهينا عن احتمال نضوبه في العقود القليلة القادمة أو وجود بدائل جديدة للطاقة.