بالنظر إلى تركيبة البرلمان البريطاني التالي نلاحظ أن استطلاعات الرأي التي سبقت انتخابات يوم الخميس كانت خاطئة جداً، فقد دفع جيش من "المحافظين الخجلين"، أولئك الأكثر خجلاً ليقولوا إنهم سيصوتون لحزب الأثرياء المزعوم، حصيلة المحافظين إلى أعلى من 50% من كامل المقاعد الستمئة والخمسين.

Ad

كانت النتيجة أن حزب العمال تلقى خسارة كبيرة، ليس في أسكتلندا وحدها، حيث توقعت استطلاعات الرأي نتيجة كاسحة، بل في إنكلترا أيضاً، مما ترك هذا الحزب مع عدد أصوات أقل بنحو مئة، مقارنة بالمحافظين في البرلمان.

علاوة على ذلك، عزز المحافظون حصتهم من الأصوات والمقاعد بعد خمس سنوات لم يمسكوا خلالها بزمام السلطة فحسب، بل نفذوا أيضاً اقتطاعات في الإنفاق لم تحظَ بشعبية واسعة، ولا عجب أن زعيم حرب العمال إد ميليباند استقال بهذه السرعة، ولكن لو كانت المملكة المتحدة تملك نظاماً انتخابياً يستند إلى التمثيل النسبي، نظاماً يأخذ في الاعتبار كل الأصوات لا أصوات الفائزين فحسب في كل دائرة، لاتضح أن رسالة الشعب مختلفة قليلاً.

أولاً، فاز رئيس الوزراء ديفيد كاميرون والمحافظون بأقل من 37% من أصوات الشعب، وتُعتبر هذه إحدى أدنى قواعد الدعم لحزب فائز في تاريخ انتخابات المملكة المتحدة، وبدأت تتحول هذه النتيجة إلى معيار عادي اليوم مع اكتساب عدد أكبر من الأحزاب الصغيرة حصصاً أكبر من الأصوات. جاء حزب العمال متأخراً بنحو 6 نقاط مئوية. إذاً، كانت استطلاعات الرأي، التي توقع آخرها فوز المحافظين بنسبة 34% إلى 33%، مخطئة على نحو ملحوظ. لكنها لم تقع في هذا الخطأ الفادح والمحرج إلا بعدما حاولت أن تترجم الأصوات الشعبية إلى توقع بشأن عدد المقاعد.

لولا المعضلة شمال الحدود، التي أدت إلى تحولات عالية جداً بلغت أحياناً 35% من حزب العمال إلى الحزب الوطني الأسكتلندي، لكانت الفجوة بين المنافسَين البارزَين أضيق. وفي هذا الصدد، نشير إلى أن الحزب الوطني الأسكتلندي، على صعيد السياسة الاقتصادية، عمالياً أكثر من حزب العمال، واستحوذ بكل بساطة على عدد كبير من أصوات الحزب. وهكذا فضلت المملكة المتحدة، على ما يبدو، رسالة كاميرون عن الأمن الاقتصادي على دعوة ميليباند إلى الإنصاف وإعادة التوزيع بهامش 4 نقاط مئوية تقريباً.

ماذا قال البريطانيون غير ذلك؟ من الواضع أن الأسكتلنديين قالوا إنهم يريدون بالتأكيد صوتاً أسكتلندياً أقوى وأكثر فاعلية في الحكومة البريطانية، ولكن لا يكترث كل الأسكتلنديين لهذه المسألة لأن الحزب الوطني الأسكتلندي فاز بنحو نصف الأصوات الشعبية، حاصداً من 56 إلى 59 مقعداً محتملاً، نظراً إلى خصوصيات نظام "الفائز يأخذ كل شيء" هذا. ولا شك أن شعبية هذا الحزب المتنامية تعود إلى نجاحه في إقامة استفتاء بشأن الاستقلال السنة الماضية، مما أشعل فخراً جديداً واهتماماً بالسياسة بين الأسكتلنديين، لكن فوز الحزب الكبير يوم الخميس لا يشكل تفويضاً للاستقلال، أو حتى تكراراً سريعاً لاستفتاء السنة الماضية.

لكن المد الأصفر المتنامي للحزب الوطني الأسكتلندي يبرهن أن المشاعر اليسارية أقوى بكثير في أسكتلندا منها في إنكلترا، ولا شك أن هذا يؤيد بقوة منح المناطق صلاحيات أكبر وإعطاء البرلمان الأسكتلندي مسؤوليات أكبر بشأن تحديد معدلات الضرائب بما يتلاءم مع حقوقه المتنامية بشأن الإنفاق. تدرك نيكولا ستورغن، زعيمة الحزب الوطني الأسكتلندي الذكية، هذا الواقع؛ ولهذا السبب تدفع برفق تداعيات ذلك على الاستقلال، الذي يشكل هدفها النهائي. في المقابل، تهاجم ستورغن بقوة التقشف بحماسة حزب سيريزا اليوناني، كما لو أن المملكة المتحدة لا تعاني مشكلة عجز، إلا أن هذه ليست مشكلتها.

لهذا السبب، أعتقد أن ستورغن والحزب الوطني الأسكتلندي ليسا آسفين جداً لفوز المحافظين، فيستطيع هذا الحزب الحفاظ على موقعه كحزب معارض في الحكومة وكحزب حاكم في منطقته، ولا شك أن هذا موقع جيداً بالنسبة إلى حزب انفصالي.

وماذا عن أوروبا؟ لم ترتكز هذه الانتخابات على مسألة ما إذا كان يجب أن تبقى المملكة المتحدة جزءاً من الاتحاد الأوروبي، فقد كانت هذه القضية شبه غائبة عن الحملة الانتخابية، ويعود ذلك في جزء منه إلى أن كاميرون وعد باستفتاء منفصل، فضلاً عن أن الاتحاد الأوروبي لا يحتل راهناً مكانة بارزة في لائحة مصادر قلق الناخبين.

في الوقت عينه، عزز حزب استقلال المملكة المتحدة حصته من الأصوات التي ارتفعت إلى أكثر من 12%، مما يُعتبر تقديراً جيداً لعدد الناخبين الإنكليز الذين يبدون أكثر اهتماماً بوقف الهجرة وإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مقارنة بالاقتصاد.

لكن المحير حقاً ما حدث للديمقراطيين الليبراليين الذين تراجعت حصتهم من الأصوات من 23% في انتخابات عام 2010 إلى أقل من 8%، وقد يعكس هذا مصير الأحزاب المعارضة التي تنضم إلى الحكومة: تتعرض للمهاجمة. لكن الأكثر إثارة للقلق احتمال أن تكون خسارة الديمقراطيين الليبراليين عائدة إلى تمسكهم بسياساتهم الوسطية التي بات الدفاع عنها صعباً.

لا شك أن هذا مهم، فإن توصل حزب العمال إلى هذه الخلاصة من هزيمته فإنه يعزز ميله اليساري، معتمداً على أدلة تُظهر أن هذا هو الضروري لاستعادة موقعه القوي في أسكتلندا، ولكن إذا قرر الحزب في المقابل أنه خسر لأن ميليباند صب كل اهتمامه على قاعدته الشعبية وتجاهل الناخبين المتأرجحين الذين منحوا توني بلير ثلاثة انتصارات في الانتخابات، فسيعود الحزب إلى الوسطية التي نادى بها بلير.

يشير كل هذا إلى واقع أكثر تجزئة وأقل استقراراً مما تُظهره غالبية كاميرون التي بلغت 330 مقعداً تقريباً.

مارك تشامبيون - Marc Champion