نونو جوديس شاعر متعدد الأساليب والثيمات، غاص في مستويات أشكال الكتابة الشعرية وتقنياتها، مهتماً بأنساقها الإيقاعية الممتدة من الأغنية أو السوناتة، وذلك في تعايش مع قصيدة النثر التي تصل معها شعرية جوديس إلى ما يمكن أن نطلق عليه القلق الإبداعي البالغ العمق والشفافية والإدهاش.

Ad

حصل الشاعر أخيراً على جائزة الأركانة العالمية للشعر في الرباط في المغرب، في دورتها التاسعة. يمنح الجائزة بيت الشعر في المغرب سنوياً، بشراكة مع مؤسسة الرعاية  لصندوق الإيداع والتدبير وبتعاون مع وزارة الثقافة. وقد تكونت لجنة التحكيم هذه السنة من الشاعر العميد حسن مكوار (رئيساً)، والناقد عبد الرحمن طنكول، الشاعر حسن نجمي، الشاعر نجيب خداري، الشاعر رشيد المومني، والشاعر خالد الريسوني.

استطاع الشاعر المتوَّج أن يربط علاقات متينة مع عدد من الشعراء المغاربة خلال زياراته المتواترة إلى المغرب، حيث أقام صداقة  شعرية وإنسانية مع بيت الشعر في المغرب منذ تأسيسه؛ فهو أحد أعضاء هيئة أصدقاء البيت، وأحد الشعراء الذين شاركوا في بعض أنشطة البيت ومن بينها الدورة الرابعة لمهرجان الدار البيضاء العالمي للشعر.

جذور الشعر

من خلال التعمّق في تأمل الأشياء والأمور، راح جوديس يستقصي جذور الشعر الخفية في مسارات بحث لا ينقطع عن الجوهر اللغوي للإبداع الشعري. كذلك نلمس لديه قدرة لافتة على توظيف السرد مسهماً في رسم استراتيجيات وظيفية جديدة للنص الشعري، ومستحضراً الأبعاد الأوطوبيوغرافية التي تقرب الشعري من المكاشفة المفتوحة على الذات والأحاسيس والتجارب، بما فيها الحميمي والمنفلت المستعصي على الوصف. يقول عنه الشاعر الإسباني أنخيل كريسبو: {عرف كيف يدمج الصولات اللسانية للتيارات الطليعية لسنوات 1950 و1960 في نصية تتجنَّب تشظي القصيدة، وتتجه على العكس من ذلك نحو حكي ملحمي غنائي في التباس».

وتنفسح شعرية جوديس لاستكشاف الأعماق الأكثر عتمة في الوجود، اعتماداً على الرؤى والأحلام. ويتميّز عالمه الشعري بحضور قوي للذات، وهي تقيم في مناطق العزلة والنسيان، تنتشل خريفها الكئيب وهي تمضي باتجاه الدائرة:

أتقدم باتجاه الغناء الأخرس لتلك الطيور

 التي تخلفت إلى الوراء بلا سماء وبلا حواجز ملائمة

 وفي دائرة مسرنمة من الأجنحة تحوم.

تركيبة سحرية نلمسها في قصيدة الشاعر البرتغالي، تحتفي بالأحاسيس والأفكار والأخيلة، ونجد أشكالاً رمزية تعبّر عن عالمنا الراهن. ففي شعره الآنف الذكر تبقى الحركة المسرنمة للأجنحة، بعد خراب السماء التي تحميها، مرهقةً ترسم محيطات تائهة. تلك هي حدود الذات والعالم، أي القصيدة التي تستلهم وتستوعب محطة جوديس النهائية في رحلته الشعرية الكئيبة والساخرة، حيث انهيار العالم وتفككه خلال لحظة أفول وتلاشٍ بين ومضات متأججة لشمس متخفية في كتاب.

مفردات حزينة أبرزها {الأفول} و{المساء} و{الغروب} و}الغسق} يستعيرها جوديس، تحدّد المتخيل المكاني في شعره، حيث يبني بين الخراب وبين الاكتمال عالماً داخلياً ينهض على تكثيف مفهوم الذات التي تنجلي في القصيدة، حيث يطفو الصمت بأشكاله المختلفة: عدم، وفراغ، وغياب، وموت...

مسيرة حافلة

نال الشاعر البرتغالي جوائز عدة اعترافاً بجهوده في بلورة وتطوير شعرية تؤسس لمعرفة قلقة بأسرار الوجود من خلال القصيدة، فنال جائزة بابلو نيرودا في عام 1975، وجائزة الشعر لنادي القلم عشر سنوات بعد ذلك عن ديوانه {قيثار الأشنة}. وفي 1990 أحرز على جائزة د. دنيس لمؤسسة كازا دي ماثيوس عن عمله {قواعد المنظورات}. وفي عام 1995 نال ديوان شعري أساسي له {تأمل في الخرائب} جائزتين: جائزة الشعر للجمعية البرتغالية للكتاب وجائزة إيسى كايروس التي تمنحها بلدية لشبونة. كذلك نال عن مجموع أعماله جائزة النقد في سنة 2001 وهي الجائزة التي يمنحها المركز البرتغالي للجمعية الدولية لنقاد الأدب. وفي عام 2003 تسلم جائزة سيزاريو بيردي وجائزة أنَّا هاثرلي عن كتابه {أحوال الحقول}. والجائزة الكبرى للآداب DST في 2005 عن ديوانه الشعري {هندسة متغيرة}. والجائزة الوطنية أنطونيو راموس روسا في 2006 عن ديوانه {الأشياء الأكثر بساطة}. وجائزة الملكة صوفيا للشعر الإيبيرو أميركي في عام 2013 عن مجموع أعماله.