قضايا التوظيف والبطالة هي قضايا رئيسية تشغل المجتمعات المعاصرة وتشكل حالتها السياسية وتقرر استقرارها من عدمه، لذا فإن الضجة التي صاحبت استغناء إحدى شركات الاتصالات عن عدد من العمالة الكويتية مستحقة وتناسب الحدث الناتج عن فقدان هذا العدد وظائفهم في مجتمع صغير مثل الكويت، لكن بالمقابل فإن الشركة هي مشروع تجاري يبتغي تحقيق الربح لمساهميه الذين سيتولون محاسبة إدارتها سواء كان حاملو أسهمها أفراداً أو جهات حكومية ولا يمكن توجيه اللوم لها فهي لم تخالف قانوناً.

Ad

حقيقة أن الشركة التي استغنت عن العمالة الوطنية تواجه مشاكل مالية من عدمه هو أمر خاص بها، يمكن للجمعية العمومية للشركة والجهات المعنية أن تتحقق منه، لكن الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان في عالم الاقتصاد الحر قادرة على أن تعيد هيكلة جهازها الوظيفي وتستغني عمن تشاء من العمالة التي تتكفل الدولة بتقديم التأمين الاجتماعي لها، لكن الفرق الجوهري هو أن تلك الشركات تدفع "ضريبة الدخل" وليست معفاة كما هو حال الشركات لدينا التي تسدد مبالغ زهيدة لمؤسسة التقدم العلمي أو الزكاة، وضريبة متواضعة جداً لدعم العمالة الوطنية.

الضريبة هي الفارق المؤثر بين شركاتنا وقطاعنا الخاص المدعوم حكومياً بشكل كبير وبين الشركات الأخرى في كل النظام الاقتصادي الحر فأي شركة أميركية قادرة على أن تنقل جزءاً من أعمالها إلى الصين أو إندونيسيا أو الهند وتستغني عن جزء من عمالتها، لكنها في النهاية مجبورة على دفع الضريبة لتسدد نصيبها الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وتتم حالياً ملاحقة الشركات متعددة الجنسيات التي تنشأ للتهرب من الضريبة لسداد ضرائبها، والتضييق على الدول التي تسمى بـ"الجنات الضريبية" لتقدم للحكومات كشوفاً بالمبالغ التي تودعها تلك الشركات لديها لاستقطاع الضرائب منها، بل إن قانون "الفاتكا" الأميركي الجديد يلاحق كل أميركي خارج أميركا ليسدد الضرائب حتى لو كان يحقق مدخوله وأرباحه في دولة أخرى لا صلة لها بتاتا بالسوق الأميركي!

عندنا في المقابل أصبح الأمر غريباً، فالبنوك والشركات الكبرى توظف الكويتيين بمبالغ "تافهة" لا تتعدى أحيانا أربعمئة دينار شهرياً، بينما يسدد برنامج دعم العمالة الوطنية الباقي، ومع هذا لا تدفع هذه الشركات أية ضرائب دخل أو ضرائب حقيقية "محرزة" للدولة بل إنها تطالب بالمزيد من العقود والامتيازات رغم تعثر معظم المشاريع التي تنفذها مع الأسعار المبالغ فيها لتلك المشاريع، وعندما تطرح مسألة الضريبة في الكويت فإن أصحاب القرار في الحكومة والبرلمان، وهم غالباً لديهم مصالح تجارية، يقاومونها عن طريق تهييج العامة ضد الضريبة وتصويرالأمر كأنه يستهدف محدودي الدخل مع أنه في الحقيقة مشروع تكافل اجتماعي مجرب وناجح عالمياً.

الوضع في الكويت بالنسبة إلى القطاع الخاص ودوره الاقتصادي الاجتماعي أصبح مستهجناً، فلا هو متقبل دفع الضرائب ولا القيام بدور اجتماعي عبر توظيف العمالة الوطنية واستيعابها برواتب مقبولة منه تنافس القطاع الحكومي وتناسب ساعات العمل الطويلة فيه، وهو وضع خطر اقتصادياً خصوصاً مع استنزاف القطاع الخاص لخدمات الدولة عبر العمالة الأجنبية الضخمة التي يجلبها إلى البلاد، وهي حالة ربما تؤدي إلى زعزعة المجتمع وهو ما يتطلب مبادرة من المخلصين الوطنيين الكُثر في القطاع الخاص لتبني قانون للضرائب وأنشطة اجتماعية حقيقية وليست دعائية وشكلية، ووضع برامج توظيف واستيعاب للشباب الكويتيين برواتب حقيقية منهم وليس اتكالاً على برامج الحكومة لدعم العمالة الوطنية.