يبدي بعض الأصدقاء والمحبين ملاحظات لي بأنني مؤخراً أكتب الكثير من المقالات عن الشأن العربي والإقليمي، بينما أضحت مقالاتي قليلة في ما يخص الشأن المحلي، وهو ما يخالف النهج الذي تبعته الصحافة الكويتية منذ التحرير من الغزو العراقي، التي نزحت فيه بشدة نحو المحلية، واتبعه معظم معلقيها السياسيين والكتاب الكويتيين، وهي ملاحظات في محلها ولها أسبابها الوجيهة بالنسبة لي.
فما يمر بعالمنا العربي أحداث تاريخية، يرمى من ورائها إلى إعادة صياغة المنطقة كلها، وستكون لذلك تبعات مهمة في السنوات القليلة المقبلة على كل العرب، وبالتأكيد ستؤثر في الكويت وكل دول مجلس التعاون الخليجي، والسبب الآخر هو أن الوضع في الكويت أصبح في حالة جمود ومراوحة منذ سنوات طويلة، ولا يوجد على الساحة المحلية إلا صراعات عبثية على السلطة والثروة، كانت خسائرها فادحة على الكويتيين.فمنذ بداية الألفية الجديدة والزملاء الكتاب والسياسيون، وأنا -العبد لله- من ضمنهم، نكتب عن الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي والاستغلال الأمثل للفوائض المالية وحماية المال العام... إلخ، فماذا حدث؟ مازلنا في مكانك راوح، والصراعات على المكاسب الشخصية والفئوية تشتد، والجدل السقيم يتجدد بلا طائل، ومجلس الوزراء لم يتغير بيانه المعتاد من كلام مرصوص، وتسميات فلان وعلان لمناصب قيادية.كُتب وكتبنا، عن المشاريع الكبرى، المطار والمستشفيات والمترو، وضرورة تعديل قانون المناقصات حتى تتمكن الشركات العالمية الكبرى من إنجازها بالجودة والكفاءة والزمن المطلوب، فكان الرد من الحكومة والبرلمان "بولباس"! بحت أصوات الناس عن ضرورة أن تكون المشاريع التنموية الكبرى عبر الشركات المدرجة في البورصة، ولا تعطى للشركات والمؤسسات الفردية والعائلية إلا وفق شراكات مع شركات مدرجة، حتى يتم توزيع الثروة وإنعاش الاقتصاد الكويتي الذي يعكسه سوق الأوراق المالية الكويتي الذي توالت مليارات الخطط التنموية دون أن تؤثر فيه، فكان فعل "الطناش" من الحكومة ومجلس الأمة، اللذين يتحكم في مفاصلهما أصحاب النفوذ، هو الإجابة على تلك المقترحات، وها هي الحكومة والمجلس يسعيان لتعديل قانون هيئة أسواق المال بعد أقل من خمس سنوات من تطبيقه، لترتخي قبضة الرقابة ونعود للوضع السابق المتسيب!كما تداولت في كل المقالات على مدى السنوات السالفة قضايا كثيرة تتعلق بحماية المال العام والشفافية والنزاهة، لنصدم بعد كل ذلك بسرقة وتكسب من المال العام بمئات الملايين من جهة حكومية – شعبية بالغة الأهمية هي مؤسسة التأمينات الاجتماعية وكذلك قضايا الإيداعات والتحويلات والمزارع والجواخير والشاليهات... إلخ، لا شيء يتغير في الكويت، والحريات تحاصر والإعلام في البلد صار بلون واحد ونكهة محددة.كما أن الإشاعات المسربة كبالونات اختبار أو المفبركة لم تتغير، فمعظمها يتكلم عن تولي ذاك الشيخ أو هذا الوجيه لذلك المنصب أو قيادة تلك المؤسسة، وغالباً تتناول تلك الأقاويل منصب رئاسة مجلس الوزراء وتنافس أبناء الأسرة عليه، ولم نسمع إشاعة يوماً بأن أحد الشيوخ أو شبابهم الصاعد أو مجموعة منهم يجتهدون في صياغة رؤية أو خطة عمل تفتح حواراً داخل الأسرة حول مستقبل البلد وكسر حالة الجمود والمراوحة التي يعيشها.لا أحد تقريباً في الديرة معني بالقراءة أو بقياس توجهات الرأي العام الذي تعكسه التعليقات والمقالات الصحافية ومنابر الرأي العام الأخرى المختلفة، وإلا لكان الوضع مختلفاً تماماً وأفضل بكثير بلاشك، فالجميع على "سَنتهُم"، وكل منهم متمترساً خلف رأيه أو مصالحه، وهو ما يجعل الكتابة حول الشأن المحلي ثقيلة ومملة ولكن لابد منها، فلا يجوز أن نيأس من الإصلاح وكسر جمود ومراوحة الوضع في الكويت ووقف الصراع المقيت المستمر على الكراسي والثروة.
أخر كلام
الكويت... جمود ومراوحة وكراسي!
22-02-2015