بروز الشخصيات القيادية النسائية في بريطانيا
من المثير للاهتمام بالتأكيد مراقبة الميل الجديد في بلد لا يزال تمثيل المرأة السياسي من الأسوأ في أوروبا، وذلك بعد مرور 25 سنة على تخلي رئيسة وزرائه الأولى والوحيدة مارغريت تاتشر عن منصبها.
عندما غردت هيلاري كلينتون عن بدء حملتها الرئاسية هذا الشهر، ولدت مقداراً كبيراً من الحماسة بين البريطانيين من أنصار السياسية الأميركية، ورغم اقتراب انتخاباتنا نحن العامة، ولّد إعلان كلينتون موجة كبيرة من التعليقات هنا في بريطانيا، فضلاً عن مناقشة حادة بشكل خاص حول ما إذا كان فوز امرأة بسدة الرئاسة سيمثل تلقائياً انتصاراً للحركة النسائية.يعكس هذا الطرح تبدلاً واضحاً في بروز الشخصيات السياسية النسائية المهمة في المملكة المتحدة بحد ذاتها، وهذه حركة حفزتها تطورات عدة في محتوى السياسة البريطانية وأسلوبها، وفي بلد لا يزال تمثيل المرأة السياسي من الأسوأ في أوروبا، بعد مرور 25 سنة على تخلي رئيسة وزرائه الأولى والوحيدة مارغريت تاتشر عن منصبها، من المثير للاهتمام بالتأكيد مراقبة هذا الميل الجديد.
كانت نقطة الانطلاق تضخيم دور المناظرات المتلفزة التي تسبق الانتخابات بين زعماء الأحزاب، لا تزال هذه المناظرات جديدة بالنسبة إلينا، فقد شهدناها للمرة الأولى قبيل انتخابات عام 2010، وشملت اللاعبين الرئيسيين من الأحزاب الثلاثة الكبرى في بريطانيا، وكانوا كلهم من الرجال: الزعيم المحافظ ورئيس الوزراء التالي ديفيد كاميرون، وخصمه من حزب العمال الذي كان آنذاك رئيس الوزراء غوردون براون، ونيك كليغ من الديمقراطيين الليبراليين، حزب أصغر حجماً إلا أنه اليوم شريك المحافظين في الحكومة الائتلافية المنتهية مدتها.ولكن في الثاني من أبريل من هذه السنة، في حدث بثته القناة التجارية الكبرى في المملكة المتحدة ITV، حظي سبعة قادة بحصتهم على الهواء، وثلاثة منهم من النساء. وبعد أسبوعين، في مناظرة "المتحدين" على شبكة BBC التي ضمت خمسة أحزاب لا تشارك راهناً في الحكومة، فاقت تلك النساء الثلاث الرجال عدداً في لحظة تاريخية.خلال السنوات الخمس الماضية، تأثر التغيير بالحالة الممتازة لسياسات المملكة المتحدة بقدر تأثيره بصفات النساء المعنيات، وكان لواقع الحكومة الائتلافية بحد ذاته تأثير كبير: فليس من الإنصاف إرغام زعيم حزب العمال إيد ميليباند على الظهور بمظهر المعارض الوحيد لحزبَي الحكومة، مما عنى أن الخوض مجدداً في مناظرة ثلاثية كان مستبعداً.في هذه الأثناء، أجج الاستياء الطويل الأمد من التقاء الأحزاب الرئيسة في الوسط السياسي بروز خيارات أكثر تطرفاً عند طرفي الطيف السياسي: إلى اليمين حزب استقلال المملكة المتحدة بقياد نايجل فاراج، وإلى اليسار حزب الخضر بقيادة ناتالي بينيت، التي تشكل الزعيمة النسائية الوحيدة في حزب سياسي بريطاني كبير.لكن التغيير الأحدث والأكثر تفجراً كان استفتاء السنة الماضية بشأن الاستقلال الاسكتلندي، الذي أدى إلى تنامي تأييد الحزب الوطني الأسكتلندي بسرعة، مع نتائج مخجلة لأحزاب المملكة المتحدة عموماً من المتوقع أن تبرز خلال عملية الاقتراع المقبلة، وخصوصاً بالنسبة إلى حزب العمال الذي لطالما سيطر على السياسة الاسكتلندية. في هذا المناخ، ما عاد من الممكن استثناء الحزب الوطني الأستكلندي من مناظرات القادة، ومن المعروف أن زعيمته نيكولا ستارغون قدمت أداء ممتازاً، واقع لم يدركه إلا مَن يقيمون جنوب الحدود، نتيجة لذلك، وُصفت ستارغون منذ ذلك الحين بأنها صانعة ملوك ستقرر ما إذا كانت ستدفع قدماً بائتلاف ليبرالي-يساري بين العمال والديمقراطيين الليبراليين، وبأنها المرأة الأكثر خطورة في بريطانيا.وإذا كان أحد الأحزاب الوطنية سيحظى بدعوة إلى المناظرات، فلا شك في أن هذا يفتح الباب أمام حزب آخر، وهنا تتقدم ليان وود من حزب بليد سيمرو الويلزي. يتمتع هذا الحزب الويلزي بمقاعد في البرلمان تفوق ما يشغله حزب استقلال المملكة المتحدة والخضر، إلا أن بليد سيمرو لطالما اعتُبر غير مهم سياسياً في وسائل الإعلام التي تصب كل اهتمامها على لندن في المملكة المتحدة، وقد أدت مشاركة وود إلى اللحظة الأكثر صدقاً في مناظرة الأحزاب السبعة، حين قالت لزعيم حزب استقلال المملكة المتحدة نايجل فاراج إن عليه "أن يخجل من نفسه" بسبب تعليقاته بشأن الأجانب الذين يأتون إلى المملكة المتحدة طلباً لعلاج فيروس نقص المناعة البشري. تبدل نحو الوسطلا شك أن بعض العناوين المبالغ فيها ومجموعة من إحصاءات يوتيوب الجيدة لا تبدلان واقع أن أياً من هاتين المرأتين لا تملك فرصة تبوء سدة رئاسة الوزراء في نظام انتخابي يفضل الحزبين الكبيرين خلال المستقبل المنظور. لكن التغيير قد يحل قريباً من هذا الاتجاه.عندما تحدث كاميرون في شهر مارس عمن قد يخلفونه في رئاسة حزب المحافظين، مسمياً وزيرة الداخلية الحالية تيريزا ماي بينهم، أكد ما أدركه مراقبو السياسات البريطانية منذ زمن، ألا وهو أن ماي نجحت في استخدام دورها الوزاري الأكثر صعوبة على الأرجح لتحول نفسها إلى المرأة الأولى الأكثر مصداقية في السياسة البريطانية بالنسبة إلى جيل كامل.على نحو مماثل، كثر الحديث عن نظيرة ماي في الجانب الآخر في حزب العمال، وزيرة الداخلية في حكومة الظل إيفيت كوبر، بصفتها مشروع زعيمة منذ أن اعتلى ميليباند العرش أو ربما لفترة أطول. ولا شك أن كل هذا يزيد إلى حد كبير إمكان أن نشهد في المستقبل منافسة على منصب رئاسة الوزراء بين امرأتين، تليها خمس سنوات يعلو خلالها صوتان نسائيان يواجه أحدهما الآخر بطريقة وقحة في مؤتمر "مسائل رئيس الوزراء".ما زال علينا أن ننتظر لنرى ما سيكون التأثير الطويل الأمد لكل هذه التطورات، فقد يفوز المحافظون أو العمال بالغالبية الساحقة في البرلمان، أو على الأقل بما يكفي من المقاعد لعقد صفقة مع الديمقراطيين الليبراليين وحدهم. أو ربما لا تنجح ماي وكوبر في قيادة أحزاب مهمة، وهكذا تعود الأوضاع إلى سابق عهدها، وبينما تخوض بريطانيا مناطق سياسية جديدة، يشكل مشهد القيادات النسائية العصرية المنتخبة مذكراً مهماً بأن قصر النظر والتطابق ليسا محتمين.* إيلي كومبو