سبل التصحيح في سوق الأسهم
في الأسابيع القليلة المقبلة سوف يتم تجاوز أرقام «وول ستريت» التي تحققت في شهر يوليو، وقد يبدأ الارتفاع بعد ذلك، خصوصا إذا عرضت جانيت يلين تطمينات إضافية بشأن السياسة النقدية وتراجع المخاوف من حدوث حرب بين روسيا وأوكرانيا، وسوف يتعين على المستثمرين عندئذ الاستعداد لتحقيق مكاسب كبيرة، وخسائر مماثلة.
مع هبوط "وول ستريت" إلى مستوى قياسي آخر في الأسبوع الماضي، قد يتطلب الأمر دراسة الأسباب التي قد تفضي إلى نكسة خطيرة في أسعار سوق الأسهم حول العالم، ومنذ أن بدأت الكتابة في هذه الزاوية في سنة 2012 جادلت بصورة متكررة في أن التعافي في أسعار سوق الأسهم والخروج من الدرك الأسفل الذي بلغته بعد الأزمة المالية العالمية في 2008– 2009 قد تحولا إلى سوق مضاربة على الصعود قد يستمران في العقد المقبل.وعلى أي حال لا تتحرك أسعار الأصول في خط مستقيم، وقد استمرت من دون تغيير بنسبة 10 في المئة لأكثر من سنتين وخمس سنوات من دون تراجع بنسبة 20 في المئة، ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر.
خسائر المستثمرينوفي بعض الأوقات في المستقبل القريب إلى حد ما سوف يتعرض المستثمر بكل تأكيد إلى خسائر كبيرة ومؤلمة، حتى مع توقعي لاستمرار ارتفاع أسعار الأسهم في الأجل الطويل، والسؤال هو: ما الذي يمكن أن يفضي إلى إنهاء هذا الزخم أو أن يعرقله من خلال نكسة من نوع ما تصل إلى 20 في المئة أو أكثر؟الجواب الواضح هو حدوث أزمة اقتصادية كبيرة، مثل الوضع القريب من الانهيار في منطقة اليورو في 2011– 2012 أو حدوث ركود في الولايات المتحدة، وقد يتمثل الاحتمال الآخر بزيادة جوهرية في معدلات الفائدة.وتجدر الإشارة الى أن أسوأ الحالات التي أصابت أسواق المضاربة على الهبوط في (1973 – 1974)، و(1980– 1982)، و(2000– 2002) و(2007- 2009) حدثت بعد سلسلة من الارتفاعات في معدلات الفائدة من مجلس الاحتياط الفدرالي، كما أن التشدد النقدي هو الخطر الذي يناقش على أوسع نطاق في مجال الاستثمار اليوم، ولكن نظرة عن كثب تظهر أن الجوانب الاقتصادية الأساسية والسياسة النقدية لا تشكلان خطراً جدياً، في السنة المقبلة على الأقل.كما أن كل الأدلة الحديثة من الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة تشير إلى تسارع العجلة لا تباطؤها، على الرغم من أن الصورة الأكثر احتمالاً هي تجدد الركود في أوروبا واليابان، ولن يتسبب ذلك في هزة مالية نظراً لأنهما لم يخرجا بعد بشكل تام من حالة الهبوط لسنة 2009.دور معدلات الفائدةوتبدو الزيادة في معدلات الفائدة والعالية بما يكفي لإحداث تصحيح في سوق الأسهم أقل احتمالاً في الأشهر الـ12 المقبلة، ويرجع ذلك إلى أن أسواق الأسهم لا تميل إلى الاستجابة بشكل عكسي إلى بداية دورة التشديد النقدي الذي يؤشر بصورة عامة إلى تحسن في الوضع الاقتصادي، ويشير التاريخ إلى أن التحرك نحو سوق المضاربة على الهبوط يتطلب توافر سلسلة طويلة من الارتفاعات في معدلات الفائدة تمتد على عدة سنوات.ولكن إذا استبعدنا حدوث أزمة اقتصادية رئيسية أو تشديد نقدي جوهري في السنة المقبلة فسوف يتعين علينا أن نصل إلى نتيجة تقول إما أن أسعار الأسهم ستستمر في الارتفاع من دون انقطاع أو أن السوق المقبل على المضاربة الهابطة سيحدث نتيجة أشياء لا تتعلق بالسياسة النقدية أو الأساسيات الاقتصادية، وسيتمثل المسؤول المحتمل في تلك الحالة في الديناميكيات الداخلية للأسواق ذاتها: التقييمات المتطرفة وغير المستدامة مثل تنامي ثقة المستثمر ستتحول إلى إفراط في التفاؤل. ويقول العديد من المعلقين إن أسواق الأسهم وصلت في الأصل إلى هذه الحالة الخطرة من المضاربة، ولكن هذا يبدو غير محتمل لسببين: الأول لأن معايير التقييم القياسية هي فوق معدلاتها في الولايات المتحدة فقط، وهي أقل من المتوسط في معظم الأسواق الأخرى، وهذه نقطة رددتها رئيسة مجلس الاحتياط الفدرالي جانيت يلين مراراً.والسبب الثاني لأن تصرف السوق يؤكد أن تقييمات اليوم ليست مرتفعة بشكل غير معقول، وإذا توسعت تلك التقييمات بشكل مبالغ فيه فإن المستثمر سوف يعمد إلى البيع بصورة أكثر نشاطاً رداً على مثل تلك الضغوط المتمثلة بتخفيف مجلس الاحتياط الفدرالي لشراء السندات وتعثر النمو في الولايات المتحدة خلال فصل الشتاء الماضي، وخيبة الأمل من احتمالات الوضع الاقتصادي الأوروبي أو النزاعات في العراق وأوكرانيا.خطوات معاكسةوبدلاً من ذلك عمد المستثمرون إلى شراء المزيد من الأسهم رداً على النكسات المؤقتة نتيجة ما اعتبروها أسعاراً رخيصة مما يوحي بأن التقييمات لم تبلغ بعد حدود الخطر.وينقلنا هذا إلى الأنباء السيئة: إذا كانت تقييمات سوق الأسهم ليست عالية بما يكفي لإحداث تصحيح كبير، وإذا كان من المحتمل أن تظل الظروف النقدية والاقتصادية سليمة خلال السنة أو السنتين المقبلتين، فإن النتيجة المؤكدة هي أن أسعار الأسهم سوف تستمر في الارتفاع إلى أن تصبح مفرطة في التوسع، وعند تلك النقطة سوف تفضي الأنباء السيئة المتمثلة بتجاهل المستثمر للوضع الراهن إلى تحقيق عملية تصحيح جدية.والسؤال هو: ما مستويات التقييم العالية بما يكفي لحدوث انكشاف في السوق؟ قد يستحيل الرد على هذا السؤال، ولكن في وسعنا التأكد من أن بلوغ السوق لهذه المرحلة الخطرة لن يلحظه أحد على الإطلاق.وفي هذا السياق لن تشبه بيئة الاستثمار الحالية ذروة الصعود في سنة 2007 بل تلك التي سادت في سنة 1987 التي أفضت إلى أكبر انهيار في سوق الأسهم وكانت الأقصر والأقل أهمية. يتمثل التشابه اللافت بأن أزمة سنة 1987 حدثت بعد خمس سنوات من بدء السوق الصاعد الذي افتقر إلى ثقة عالمية على غرار ما نشهده اليوم، حتى بعد أربع سنوات من المكاسب المتواصلة لم يصدق أحد أن الأسهم استثمارات آمنة؛ لأنه بدا من السخف الظن بأن التضخم الذي ألحق خسائر فادحة بالمستثمرين في العقد السابق قد انتهى بشكل حقيقي.ومع أوائل سنة 1987 بدأ المستثمرون بالمضي قدماً، حتى أولئك الذين لم يفهموا أو يصدقوا عمدوا إلى الشراء على أي حال، ونتيجة لذلك ارتفعت الأسعار فجأة، وكسبت مؤشرات "وول ستريت" الرئيسية 40 في المئة خلال ثمانية أشهر من يناير إلى أغسطس 1987، وفي 19 أكتوبر 1987 خسر "وول ستريت" كل مكاسب الشهور الثمانية في يوم واحد.هل تمضي دورة الأسواق الحالية نحو مسار مماثل؟ لم تظهر حتى الآن مؤشرات على الارتفاع في الأسعار الذي سبق انهيار سنة 1987، ولكن في الأسابيع القليلة المقبلة سوف يتم تجاوز أرقام "وول ستريت" التي تحققت في شهر يوليو، وقد يبدأ الارتفاع بعد ذلك، وخصوصا إذا عرضت جانيت يلين تطمينات إضافية بشأن السياسة النقدية وتراجع المخاوف من حدوث حرب بين روسيا وأوكرانيا، وسوف يتعين على المستثمرين عندئذ الاستعداد لتحقيق مكاسب كبيرة، وخسائر مماثلة.* أناتول كاليتسكي | Anatole Kaletsky