الكويت لم تستفق من صدمة «ك-داو» وأهملت صناعة البتروكيماويات

نشر في 11-10-2014 | 00:10
آخر تحديث 11-10-2014 | 00:10
No Image Caption
دول الخليج تتطور بصناعتها... و«مؤسسة البترول» مشغولة بخلافاتها
يبدو أن الرؤية في الكويت، حول مستقبل صناعة البتروكيماويات، منذ إلغاء صفقة «ك-داو»، في ديسمبر 2008، غامضة، بل وصل الأمر لدى البعض إلى تجنب الحديث عن أي تفاصيل تخص هذه الصناعة، وكأنه قد استسلم.

اعتمدت استراتيجية مؤسسة البترول الكويتية ثلاثة محاور في تنفيذ استراتيجيتها الخاصة في تطور صناعة البتروكيماويات، اتجه المحور الأول نحو بناء مشاريع بتروكيماوية جديدة داخل الكويت وخارجها، والثاني نحو الاستحواذ على مصانع بتروكيماوية قائمة خارج دولة الكويت، والثالث نحو تعزيز التكامل مع أنشطة مؤسسة البترول الكويتية داخل الكويت وخارجها.

وكان مشروع «ك-داو» أحد المشاريع المهمة ضمن المحور الثاني بالاستحواذ على مصانع بتروكيماوية قائمة، والذي يحقق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية المعتمدة لشركة الكيماويات البترولية، ومنها نقل شركة صناعة الكيماويات البترولية إلى مصاف الشركات العالمية الرائدة في مجال البتروكيماويات.

ولكن يبدو ان الرؤية في الكويت حول مستقبل صناعة البتروكيماويات منذ ديسمبر 2008 حين الغاء صفقة» ك-داو» غامضة، بل وصل الامر لدى البعض الى ان يتجنب الحديث عن أي تفاصيل تخص هذه الصناعة، وكأنه قد استسلم ولا يريد نقل شركة صناعة الكيماويات البترولية إلى مصاف الشركات العالمية كما كانت النية في استراتيجية المؤسسة الغاء مشروع «ك-داو» تحول الى لعنة على القطاع النفطي وتحديدا صناعة البتروكيماويات.

الكويت سباقة... ومتأخرة

كثيرا ما نسمع من المسؤولين جملة ان «الكويت دائما ما تكون سباقة وكانت الأولى في صناعة البتروكيماويات والصناعات النفطية الأخرى»، هذه المصطلحات تعتبر قيمة نسبية لم تضف شيئا يذكر للواقع التي تعيشه الصناعة حاليا، والمتتبع يرى الكويت الآن تسير ببطء في صناعة البتروكيماويات وإذا استمرت مؤسسة البترول الكويتية على هذا البطء فستكون هناك علامات استفهام مستقبلا.

ومؤسسة البترول الكويتية اليوم غارقة بالخلافات بين وزير النفط د. علي العمير مع بعض القيادات رغم ان مؤسسة البترول هي المعنية بالإمساك بزمام الانطلاقة في صناعة البتروكيماويات، لأنها هي التي تحتكر جميع الموارد الهيدروكربونية بحسب الدستور، وهي صاحبة القدرة على توجيه صناعة البتروكيماويات كما تقوم به شركة سابك وأرامكو في السعودية، إذ يتم توجيه هذا القطاع والصناعات اللاحقة.

إذاً فمستقبل صناعة البتروكيماويات يجب ان ينظر اليه بجدية ويحسم بأسرع وقت، فإما أن تتجه الكويت الى صناعة البتروكيماويات أو لا تتجه، وإن كان خيار الحكومة أن تتجه الى الصناعة فهنا يجب ان يتسم الحديث عن الصناعة بكثير من الجدية ويتم بحثه بعناية من ناحية كيفية الاستمرار في هذه الصناعة وتطويرها، والكويت لديها محدودية في مواد اللقيم الأساسية التي تدخل في صناعة البتروكيماويات، وهي عبارة عن مواد غازية أو سائلة، ومع ذلك لم تصل المواد الاساسية للصناعة الى الشح او القلة، حيث إن الاكتشافات الاخيرة للغاز والتي اعلنتها مؤسسة البترول الكويتية، بالاضافة إلى مواد اللقيم السائلة الاخرى التي تأتي من مصافي التكرير متوافرة لكنها موجهة الى توليد الطاقة أو التصدير.

كيف تطوروا ولماذا تأخرنا؟

وقد يتساءل البعض عن السبب وراء تأخر الكويت في هذه الصناعة؟ وستكون الاجابة ان سياسات دول الخليج أعطت القطاع الخاص تسعيرة للمواد الأولية من خلال تشريعات، بحيث يلتزم القطاع الخاص بتوظيف نسبة من العمالة الوطنية، وتشييد بنية تحتية لهذه الصناعة، فالصناعة الآن في الخليج متكاملة، وهي قوية ومتطورة من خلال الشراكة مع الشركات العالمية.

وهناك ايمان لدى اصحاب القرار في دول الخليج بان الصناعات البتروكيماوية تلعب دورا مهما في النمو الاقتصادي والنمو الصناعي لاي دولة، والقيمة المضافة لصناعة البتروكيماويات في الاقتصاد المحلي تعتبر الاكبر مقارنة بالصناعات والقطاعات الاخرى.

والكثير ممن عملوا في هذه الصناعة ينادون باتخاذ القرار المناسب للتوسع في الصناعة، حيث ان عجلة المشاريع في الدول المجاورة في هذا المجال لم تتوقف، وهو ما يضع الكويت في وضع تنافسي صعب، خصوصا من المملكة العربية السعودية بانشاء مشاريع بتروكيماويات عملاقة للمحافظة على نسبتها في سوق البتروكيماويات مما يضعف تنافسية الكويت.

يذكر ان المملكة العربية السعودية تعتبر بكل المقاييس الدولة الكبرى من حيث إنتاج البتروكيماويات، اذ تصنِّـع 86.4 مليون طن، أي ما يصل الى 67.6  في المئة من جملة الإنتاج الخليجي. كما تسعى المملكة إلى استثمار ما يقارب من 100 مليار ريال في تنمية صناعة البتروكيماويات حتى عام 2015، مع زيادة الإنتاج ليصل إلى 80 مليون طن سنويا، مقارنة بالإنتاج الحالي الذي يقارب 60 مليون طن سنويا. والدولة الثانية من حيث حجم الإنتاج هي قطر، التي تنتج 16.8 مليون طن، أي ما يمثل نسبة 13.2 في المئة من جملة الإنتاج الخليجي للبتروكيماويات. وتخطط لزيادة إنتاجها الحالي لأكثر من الضعف لتقوية موطئ قدمها في الصناعة.

مشروع الألفينات الثالث

ولاتزال الكويت تدرس مشروع الالفينات الثالث ولم يصدر اي قرار حوله، وهل سيكون جزءا تابعا للمصفاة الجديدة او انه مشروع مستقل، كما لم تتضح معالم دعم للصناعة لاسيما المواد الاساسية، حيث لا يوجد اي اتفاق لمعرفة كمية الغاز الموجة للبتروكيماويات.

وقد ادخلت السعودية هذه الصناعة في الثمانينيات من القرن الماضي بطاقة إنتاجية مشابهة لبداية شركة «ايكويت» بمليون طن سنويا وتنتج «سابك» اليوم 70 مليون طن سنويا، وإن تم تقسيم هذا الإنتاج منذ انطلاقتها سيتضح ان لديها مشروعا بمليون طن ونصف المليون بمعدل كل ثلاث سنوات «وعند مقارنة ذلك بشركة إيكويت التي بدأت الانتاج عام 1997 ونحن الآن في 2014 ولم يتجاوز إنتاجها 5 ملايين طن سنويا مع مرور أكثر من 14 سنة، فهناك فارق واضح، فحتى لو لم تكن هناك مواد أولية فيفتروض من حيث النسبة والتناسب أن يكون لدينا إنتاج يوازي 10 ملايين طن!

يذكر ان المشاريع التي تديرها الكويت في البتروكيماويات تعمل بشكل جيد وجميعها حديثة، ولها عوائد مادية ايجابية، ومشروع الأولفينات الثاني أو «ايكويت 2» شراكة ناجحة بالكامل «ونتمنى أن يتم إطلاق مشاريع مشابهة لدفع عجلة الاقتصاد الوطني»، حيث أثبت «ايكويت 2» نجاحه من خلال تحقيق أرباح منذ أول سنة تشغيلية بتوزيع أرباح على المساهمين على الرغم من أن أول سنة تشغيلية كانت في أوج الأزمة المالية، ما يبشر بأداء إيجابي في السنوات المقبلة.

دور «إيكويت»

ولا يمكن اغفال دور شركة «ايكويت» في زيادة الميزان التجاري للكويت، حيث انها تساهم بأكثر من 80 في المئة من صادرات الكويت غير النفطية وتغذي ميزانية الدولة بنسبة لا يستهان بها من العوائد وتخلق قيمة مضافة للغاز وتوظف الكثير من مواطني دولة الكويت وتلعب دورا حيويا في نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الكويت وغير ذلك من ايجابيات.

وبعد كل هذا العرض والمعلومات للاسف مازال الكثير لم يستفق من صدمة الغاء «ك-داو» ومازال بعض القياديين ينتظرون دعما سياسيا لهذه الصناعة دون أي مبادرة منهم ظنا منهم ان الثقة مازالت معدومة وبحاجة الى ترميم بعد الغاء المشروع.

ولابد من ابعاد هذه الصناعة عن التجاذبات السياسية السلبية، لان هناك حاجة الى وجود الشريك العالمي في معظم هذه المشاريع كما هو معمول به في كافة دول الخليج، حيث ان المستثمر العالمي كالقطاع الخاص المحلي هم جميعا اصحاب رؤوس اموال يحرصون عليها، والكل يراعي الشراكة ونتائجها الايجابية وتتم مقارنتها مع ما يقدم لها في دول اخرى.

ولا يمكن نسيان ان الشريك يأتي بأهم العناصر للصناعة وهي التكنولوجيا وتراكم خبرات السنوات الطويلة، وبالمقابل نحن نحتاج الى التنمية من خلال توظيف العمالة الوطنية وتنويع مصادر الدخل، وهو امر متفق عليه منذ البداية، والكويت لديها افضل العقليات والمهارات في الاستثمار والصناعة ولا يمكن ان يستهان بقدرات الكويت وخبراتها، وفي نهاية الامر الكل سواء من حيث الدولة او الشريك، فكل طرف يسعى الى تحقيق المنافع المشتركة. فهل سيتفق السياسي مع المتخصص في صناعة البتروكيماويات لتحقيق المصلحة للكويت؟

back to top