أبواب وشبابيك!

نشر في 06-11-2014
آخر تحديث 06-11-2014 | 00:01
 مسفر الدوسري للشبابيك سرّ فتنةٍ تجهله الأبواب!

ولها سحرٌ يعصى عليها فهمه،

ودهشةٌ مورقةٌ يصعب عليها ابتكارها،

إلّا أن المفارقة الأكبر، أن للشبابيك طاقة إيجابية في النفس البشرية لا تتوافر في الأبواب مهما اتّسعت، ولها قدرة على فعل ما لا تستطيع الأبواب فعله!

لا تستطيع الأبواب أن تُدخل البحر إلى منازلنا ولا القوارب الراسية على شاطئه، ولا المظلات الملونة التي تزيّن ساحله، ولا مرح الأطفال الذين يشيّدون بيوتا من رمل، ولا تستطيع اصطياد فقاعات ضحكاتهم البللورية التي يطيّرونها في الفضاء بأجنحة فرحهم،

الأبواب لا يمكنها أن تسحب سجادة الغابات من أطرافها لتدخلها عنوة إلى غرف نومنا، ولا المروج الخضراء، ولا قطيع الخراف ولا أناشيد الرعاة، ولا نباح كلابهم!

لا تستطيع الأبواب مهما فُتحت على مصاريعها أن تمرّر قمر مساء، ولا شمس صباح، كما لا يمكنها أن تمرّر سرب فراش، أو تجمع بكفيها ندى!

قد تتمكن الأبواب من منحنا الحرية، لكنها لا تمنحنا الشعور المبهج بفسحة الأمل كالشبابيك!

وهذا سحر الشبابيك الخالد، وسرّها الصغير المليء بالعجب!

فالأبواب لا تمنح الأمل، فهي إما تكون موصدة فتسلب الأمل، أو مفتوحة فتُفقد الأمل قيمته المعنوية ولذّته،

وليس هذا فحسب، فالأبواب يخونها ذكاؤها كثيراً في التعامل مع الطبيعة، بينما تتعامل الشبابيك مع الطبيعة بدهاء فذّ لأنها «تفلترها»، تنقّيها من شر أعمالها، تهذّبها، تقلّم أظافرها الحادّة، تقابل جنونها بعقل راشد، وابتسامة واثقة،

فحين تعجز الأبواب عن إدخال البحر إلى منازلنا مخافة الغرق، تستطيع الشبابيك إدخاله إلى أعماقنا وإغراقه فينا.

الشبابيك وحدها قادرة على شد البحر من جدائله الزرقاء وجلبه أسيراً تحت إمرة أبصارنا، دون أن تستثني منه قطعة تقع في حدود النظر، موجه العاتي، أسماء غرقاه، قوارب صيّاديه وشباكهم، شواطئه الرّملية، نوارسه، وضحكات أطفاله وطائراتهم الورقية، لا تستثني الشبابيك من البحر شيئاً.

وهي وحدها القادرة على حمل الغابات، والمراعي الخضراء، والجبال الشاهقة بما يعتليها من أردية الثلج، على كتفيها كطفل صغير ووضعها في مرمى متعتنا دون عناء ولا مشقة!

الأبواب لا تحسن التعامل مع المطر، إن فتحت له صدرها واستقبلته في المنازل ساءها شغبه، وإن وقفت بوجهه ومنعته من الدخول حاصرت الساكنين باليباس!

على عكس الشبابيك التي تجيد فن التعامل مع المطر، فهي تمنح القلوب السقيا دون أن تبتل الأجساد بقطرة!

وليس ذلك فحسب، الحمام لا يتخذ من الأبواب جاراً لسكناه، ولا يخصها بالهديل، ولا تفعل ذلك العصافير، بينما تنعم أنواع الطيور في العيش بإعشاش بجوار الشبابيك، وتزخرف ستائرها بالغناء.

الندى لا يرسم على الأبواب لوحته التشكيلية في صباحات الشتاء، بينما يبدع في فعل ذلك على زجاج الشبابيك، الموسيقى الفارّة من خلف الأبواب مستفزّة، ولا تشبه الموسيقى الموحية والمتسربة من وراء الشبابيك.

الزرع المتدلّي بزهوره من شرفات الشبابيك بغنج فاتنة تفصح عن شهوتها، لا يشبه أحواض الزرع الواقفة أمام الأبواب كحارس أمن لم تستطع ابتسامته المصطنعة إخفاء جلافة قلبه!

ما لا تستطيع الأبواب تمريره إلينا بيُسر، تستطيع الشبابيك تهريبه لنا بمحبة، لذلك كانت الشبابيك وستبقى الملاذ الآمن لنظرات العشاق ورسائلهم الخضراء ومواعيدهم، وليس الأبواب!

back to top