كاتب جادٌ متزن صريح وجريء، لم يخفِ نقده لكل مستغلي الدين من سنّة وشيعة، وحارب كل أنواع الأحزاب الدينية، وانتقد إدارة الحكومة والإدارة العامة والخاصة، حيث وجب الانتقاد، قدّم في كتاباته نماذج من التجارب الإنسانية والفنية المضيئة في حياة البشر، كما قدّم معلوماتٍ وقراءات عن المخاطر التي تواجه المجتمع، أي مجتمع وخاصة مجتمع الكويت حين تغيب الرؤية وتتحكم العادات والتقاليد البالية في حركة المجتمع، وتعيق تقدمه وتوقه إلى الحياة.

Ad

مثل هذا الإنسان الكاتب الجاد حرام أن نتركه يذهب، أو أن توضع أمامه العراقيل، أو تحجب مقالاته، أو تغير لاختلافها عن خط أو اتجاه عام أو خاص، فحرية التعبير لا بد أن تُكفل مهما كانت درجة الاختلاف، وإذا كان أحد لا يعجبه رأيٌ ما فليكتب وليناقش وليرد بما عنده ضد هذا الفكر أو ذاك، لكن ليس من حق أحد أن يمارس ضده القمع مهما كانت درجته، كذلك من حقنا نحن -قراءه- أن نطلب منه الاستمرار، فالكتّاب التنويريون قلائل والكتّاب الجادون أقل، وليس من حق أحمد الصراف حرمان قرائه من أفكاره، ليته يعود ليواصل مهمته ويقاوم اليأس والإحباط اللذين كان يقاومهما في معظم كتاباته.

وقرار أحمد الصراف ترك الكتابة قد يكون نتيجة لما وصلت إليه الأمور بعد أن زجّ بعدد من الشباب في السجون نتيجة لآراء كتبوها، وربما أحزن أحمد الصراف كما أحزن كل المطالبين بحرية التعبير أن يكون رد الحكومة على المغردين والمتعبين من تردي الأوضاع هو السجن، فكلنا نعتقد أن التجربة الكويتية في الدستور والحياة الديمقراطية تتقدم للأمام، وأن حق التعبير، وهو أحد عناصر الحرية الذي كفله الدستور، سيتقدم للأمام، وأن مساحة الحرية لا بد أن تتسع وأن تسمع الحكومة بالترحاب آراءً وأفكاراً ومواقف لا تود أن تسمعها، وأن وعي الناس وحده هو الكفيل بفرز الصالح من الطالح، وأنه لا داعي أبداً للجوء إلى القمع وحبس الرأي مهما قسا، فالعالم اليوم يسمع كل شاردة وواردة، وليس هناك حكومة أو فرد محصن من الانتقاد. ذاك زمنٌ قد ولّى وإن أصرت الحكومة عليه فإن الناس يجب ألا يذعنوا للضغوط، وأن يستمروا بالكتابة والتعبير بكل الوسائل حتى تقبل الحكومة بالأمر الواقع، وتأخذ منحى آخر يفيدها في إدارتها، وذلك بالإنصات لرأي الشعب والاستفادة مما يطرحه الناس.

والمشكلة الآن ليست مع الحكومة فقط، وإن كان ضغطها محسوساً، ففي عصرنا هذا لم تعد الصحافة والإعلام بشكل عام أجهزة عامة تخدم الرأي العام بحياد وأمانة، لكننا للأسف أمام أجهزة مملوكة لأفراد يوظفون صحفهم وإعلامهم لتوجهاتهم، وفي كثير من الأحيان لمصالحهم، ونشاهد الآن قنوات فضائية همها عرض ما يريده ملاكها في مهادنة هذا وذاك أو مهاجمته من أجل مصالحهم أو مصالح أسيادهم، وقد شاهدنا مواقف هؤلاء أيام الانتخابات في دعم الجهلة والنور وأعوان سراق المال العام ومهاجمة الأشراف والمخلصين من أبناء هذا البلد.

هذا الوضع يتطلب من الحكومة أن تتيح حرية التعبير للجميع ليتمكنوا من الرد على المخربين لا قمعهم، فقمع الأحرار يضع الحكومة في موقف المؤيد للمخربين، ويزيد من غضب الناس عليها، ولعل لجوء الشباب إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يمكن التحكم فيها، وتتيح فرصة أكبر للتعبير خير رد على هذه القنوات ومن يمتلكها ومن يساندها من قوى نافذة، حرية التعبير لم تعد حقا دستورياً فقط إنما أصبحت حقا إنسانيا لا يجوز ولا يمكن هزيمته.

إحباط أخينا أحمد الصراف نعرف مصدره، لكننا ندرك أن معرفة الحقيقة ومواجهة التخلف تتطلبان نفساً أطول وإنساناً في جدية، أحمد الصراف مطلوب اليوم أكثر مما مضى في مواجهة الجهل والتجهيل.