لقي 12 شخصاً حتفهم أمس في هجوم دموي على صحيفة فرنسية ساخرة معروفة بانتقادها للتشدد الإسلامي، وفي حين أعلنت باريس أمس رفع درجة التأهب وتشديد إجراءات الأمن للقبض على منفذي الهجوم، توالت ردود فعل منددة بالحادث من مختلف دول العالم.

Ad

غداة تحذير الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من وجود أزمة هوية في بلاده تهدد قيم الجمهورية والنموذج الاجتماعي الفرنسي، لقي 12 شخصا، بينهم ضابطا شرطة، مصرعهم وأصيب 20 شخصا آخرون منهم أربعة أو خمسة في حالة خطيرة في هجوم مسلح استهدف مقر مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة المعروفة بمواقفها المعارضة للإسلام المتشدد في باريس أمس.

وقتل شرطي في الهجوم الذي استمر عدة دقائق اقتحم خلالها مهاجمان مكاتب المجلة وأطلقا النار على من بها، في حين نقل مصدر في الشرطة عن شهود قولهم إن المهاجمَين هتفا "انتقمنا للرسول".

وأظهر مقطع فيديو نشر على الإنترنت أمس، يبدو أنه تم تصويره من مبنى في الجهة المقابلة لمقر المجلة، لحظة مغادرة مسلحَين مقنعَين مبنى الصحيفة. وقام أحدهما بإطلاق النار على رجل شرطة قبل أن يشرعا في ركوب سيارة سوداء صغيرة.

 قاذفة صواريخ

وقال مصدر قريب من التحقيق الذي فتحته النيابة: "اقتحم رجلان يحملان كلاشنيكوف وقاذفة صواريخ مقر الصحيفة الساخرة في باريس وحصل تبادل إطلاق نار مع قوات الأمن"، مضيفاً "أصيب شرطي بنيران المسلحين لدى مغادرتهما المكان قبل أن يرغما سائقا على الخروج من سيارته عند باب الصحيفة ويصدمان بها أحد المارة".

وفي مشهد آخر، تظهر لقطات فيديو قصيرة لأحد الهواة بثتها محطات تلفزيون فرنسية رجلين ملثمين خارج المبنى. ويشاهد أحدهما رجل شرطة يرقد مصابا على الأرض فيخطو فوقه ليقتله بالرصاص من مسافة قريبة. وفي مقطع ثان يسمع الرجلان يهتفان "قتلنا شارلي ايبدو... انتقمنا للرسول".

هجمات جديدة

وفي حين، ذكر مسؤول بالشرطة أن المسلحين فرا تجاه ضواحي باريس الشرقية بعدما استوليا على سيارة، بينما قال مسؤول نقابة الشرطة روكو كونتنتو: "يوجد احتمال لهجمات جديدة ويجري تأمين مواقع أخرى"، قالت مصادر في المجلة إن القتلى بينهم جان كابو المشارك في تأسيسها ورئيس التحرير ستيفان شاربونييه و4 من أبرز رسامي الكاريكاتير في الصحيفة.

وكانت المجلة الأسبوعية الساخرة تلقت عدة تهديدات في السابق منذ أن نشرت رسوما كاريكاتورية تتعلق بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم عام 2006، حيث تعرضت مكاتبها لهجوم في نوفمبر من عام 2011، إلا أن الهجوم لم يسفر عن إصابات.

باريس تستنفر

من جهته، وفور وقوع الحادث توجه الرئيس الفرنسي إلى مكان الهجوم الواقع في حي سكني في العاصمة.

وندد هولاند بالهجوم معتبراً أنه "عمل على قدر استثنائي من الوحشية". وتعهد بضبط ومحاكمة المتورطين، كما تعهد بتشديد الأمن حول المصالح الحكومية ووسائل الإعلام ودور العبادة ووسائل النقل العام.

وكشف الرئيس عن أن قوات الأمن كانت أحبطت عدة محاولات لتنفيذ هجمات إرهابية على مدار الأسابيع القليلة الماضية، داعيا إلى "الوحدة الوطنية".

اجتماع أزمة

من جهة أخرى، أعلن قصر الاليزيه عن عقد اجتماع أزمة وقرر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس رفع مستوى الإنذار في باريس وضواحيها إلى الحد الأقصى أي "إنذار بوقوع هجمات".

ولاحقاً، صرح وزير الداخلية برنار كازونوف في ختام الاجتماع بأن "ثلاثة مجرمين" شاركوا في الهجوم الدموي.

وقال الوزير الفرنسي إن كل الاجراءات تتخذ "للقضاء في أسرع وقت ممكن على المجرمين الثلاثة الذين يقفون وراء العمل الهمجي"، من دون أن يذكر أي تفاصيل عن دور كل منهم.

موجة تنديد

في غضون ذلك، توالت ردود فعل منددة من جميع أنحاء العالم، حيث دان البيت الأبيض الهجوم على الصحيفة الفرنسية "بأشد العبارات".

وعرض الرئيس الأميركي باراك أوباما تقديم أي مساعدة تطلبها باريس لاحضار الإرهابيين أمام العدالة.

وفي لندن ندد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالهجوم "الشنيع" وعبر عن تضامنه مع فرنسا في معركتها ضد الإرهاب.

كما أدان كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي الهجوم المسلح الذي استهدف مقر "شارلي إيبدو"، متعهدين بدعم حرية الإعلام في أوروبا.

عمل بربري

وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر: "إنه عمل لا يمكن التسامح تجاهه، عمل بربري يؤثر فينا جميعا كبشر وأوروبيين"، معربا عن تضامنه الكامل مع فرنسا.

وكتبت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية لشؤون الموازنة والموارد البشرية كريستالينا جيورجيفا على "تويتر": "هذا العمل البربري لن يعرقل بأي شكل حرية الصحافة، وهي مبدأ أساسي في ديمقراطياتنا".

كما وصف رئيس حلف الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرج الهجوم بأنه "هجوم شائن ضد حرية الصحافة". وقال إن أعضاء الحلف، الذي يضم فرنسا، "يقفون معا في الحرب ضد الإرهاب الذي لا يمكن أبدا التسامح معه أو تبريره".

عزاء ألمانيا

وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في برقية عزاء للرئيس الفرنسي فرانسو هولاند: "تلقيت بالصدمة نبأ الهجوم الخسيس على أسرة تحرير المجلة في باريس".

وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تعازيه لأهالي الضحايا، معربا عن انزعاجه بسبب وقوع عدد كبير من الضحايا جراء الحادث الإرهابي.

وبينما أدان وزير الخارجية المصري سامح شكري الحادث بأشد العبارات، مؤكدا وقوف القاهرة إلى جانب باريس، اعتبرت مشيخة الأزهر أن الهجوم على الصحيفة الفرنسية "إجرامي"، في حين قالت "الجامعة العربية" إنها "تندد بشدة بهذا الهجوم الإرهابي".

(باريس، بروكسل - أ ف ب، رويترز، د ب أ)

الهجمات الإرهابية الأشد في فرنسا

يعتبر الاعتداء الدامي على  صحيفة "شارلي ايبدو" الساخرة الأشد دموية في فرنسا في العقود الأخيرة. وفي ما يلي تذكير بالهجمات الإرهابية الأشد دموية التي شهدتها فرنسا منذ أربعين عاما:

-11 و15 مارس 2012: الإسلامي المتطرف محمد مراح يقتل المظلي عماد ابن زياتن في تولوز والمظليين عادل شنوف ومحمد لقواد في مونتوبان ثم مريم مونسونيغو (8 سنوات) وغبريال واريح وسندلر (4 و5 سنوات) ووالدهم جوناثان في 19 مارس في مدرسة اوزار حاتوراه اليهودية في تولوز، وذلك قبل أن يقتل برصاص الشرطة في 22 مارس في شقته.

-3 ديسمبر 1996: اعتداء بالمتفجرات استهدف سكة مترو في محطة بور رويال في جنوب باريس ما خلف أربعة قتلى و91 جريحا.

-25 يوليو 1995: انفجار قنبلة في سكة شبكة النقل الحديدي السريع في محطة سان ميشال في قلب باريس ما خلف ثمانية قتلى و119 جريحا.

-17 سبتمبر 1986: اعتداء بقنبلة أمام محلات تاتي في شارع رين بباريس يخلف سبعة قتلى و55 جريحا. واندرج ضمن 15 اعتداء (ثلاثة منها فاشلة) نفذتها شبكة فؤاد علي صالح المقربة من إيران عامي 1985 و1986 أوقعت مجتمعة 13 قتيلا و303 جرحى.

-31 ديسمبر 1983: قتيلان و34 جريحا في محطة سان شارل بمرسيليا اثر انفجار قنبلة. وقبل ذلك بدقائق سقط ثلاثة قتلى وثلاثة جرحى في انفجار في القطار الفائق السرعة الرابط بين مرسيليا وباريس في مستوى تان-ايرميتاج.

-15 يوليو 1983: ثمانية قتلى و54 جريحا في انفجار قنبلة قرب مكاتب التسجيل التابعة للخطوط التركية في مطار أورلي قرب باريس.

-9 أغسطس 1982: كومندس مكون من خمسة أشخاص يطلق النار ويرمي قنابل يدوية داخل مطعم "غولدنبرغ" في شارع لوزييه في قلب الحي اليهودي بباريس ما أوقع ستة قتلى و22 جريحا.

-29 مارس 1982: هجوم على قطار يربط تولوز بباريس كان يفترض أن يكون ضمن راكبيه عمدة باريس حينها جاك شيراك. أوقع الهجوم خمسة قتلى و77 جريحا.

-3 أكتوبر 1980: انفجار قنبلة أخفيت في حقيبة دراجة نارية أمام كنيس يهودي بشارع كوبرنيك بباريس عند موعد الصلاة ما خلف أربعة قتلى وعشرين جريحا.

-20 مايو 1978: ناشطون فلسطينيون يطلقون النار في مطار أورلي الباريسي على مجموعة من المسافرين كانوا يتأهبون للاقلاع الى تل ابيب ما خلف ثمانية قتلى هم ثلاثة من عناصر الكومندس واثنان من قوات الأمن وثلاثة مسافرين، إضافة الى ثلاثة جرحى بين المسافرين.

-19 سبتمبر 1989: انفجرت طائرة دي سي-10 فرنسية تابعة لشركة يو تي ايه كانت تقوم برحلة بين برازافيل وباريس، وهي في الجو حين كانت تحلق في سماء النيجر. وخلف الاعتداء 170 قتيلا بينهم 54 فرنسياً.

(باريس ــــــــ أ ف ب)

توقعات ويلبيك وجرأة «شارلي إيبدو»

عنونت "شارلي إيبدو" في عددها الأخير الصادر الأربعاء الماضي "توقعات المنجم ويلبيك" في عام 2015 أفقد أسناني. و"في 2022 أصوم شهر رمضان!" تزامناً مع صدور رواية الكاتب المثيرة للجدل "سوميسيون" (الاستسلام) عن أسلمة المجتمع الفرنسي.

وعرفت صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة بجرأتها في تناول المواضيع الحساسة على اختلاف أنواعها، بينها تلك التي لها علاقة بالديانات. وتعرضت للكثير من التهديدات في مناسبات مختلفة، كما سبق أن تعرض مقرها للحرق.

هجمات تستهدف الصحيفة الأسبوعية

في عام 2011، شب حريق متعمد في مقر الصحيفة الفرنسية، في نفس اليوم الذي كانت تستعد فيه لإصدار عدد خاص تحت عنوان «شريعة إيبدو» بعد الكثير من الجدل حول الموضوع.

وفي 2012، تعرض الموقع الإلكتروني للصحيفة الأسبوعية الفرنسية لعملية قرصنة عطلت عملية الدخول إليه، واتهمت الصحيفة بأنها نشرت رسومات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. ومثلت «شارلي إيبدو» أمام القضاء في مناسبات مختلفة بتهمة الإساءة إلى الإسلام، إلا أنها لم تتعرض للإدانة، واتهمتها جمعيتان بالتحريض على الكره العرقي، لإقدامها على نشر رسوم كاريكاتورية للنبي صلى الله عليه وسلم في سبتمبر 2012. وأوضحت الجمعيتان، صاحبتا الدعوى، أن هدفهما الدفاع عن الأشخاص المسلمين والعرب ودعمهم، وتطالبان بمبلغ 780 ألف يورو تعويضاً للأضرار. وفي 2013، أصدرت مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة كتابا مصورا حول السيرة النبوية. وأوضح مدير المجلة أن السيرة المنشورة مقبولة إسلاميا بما أن «كتابها مسلمون، وهي عبارة عن تجميع لما دوّنه كتاب السيرة عن حياة محمد، ونحن رسمناها فقط».

فوبيا «الصحافيين» تجتاح أوروبا

أظهرت رسالة داخلية بالبريد الإلكتروني أن مجموعة "جي.بي. بوليتكينز هوس" الإعلامية الدنمركية التي تمتلك صحيفة يولاندس بوسطن رفعت مستوى الإجراءات الأمنية في الصحيفة بعد حادث إطلاق النار الذي استهدف مجلة شارلي إيبدو في باريس أمس.

وكانت الصحيفة الدنمركية قد نشرت رسوما تسخر من النبي، محمد صلى الله عليه وسلم، عام 2005، ما أشعل فتيل موجة من الاحتجاجات في أنحاء العالم الإسلامي، ما أودى بحياة 50 شخصا على الأقل.

من جهة أخرى، أعلن متحدث باسم المجموعة الصحافية التابعة لصحيفة الباييس في مدريد، أنه تم أمس إخلاء مقر المجموعة إثر الاشتباه بطرد، مشيرا الى حالة القلق المسيطرة بعد الاعتداء الدامي على أسبوعية شارلي إيبدو الساخرة في فرنسا.

وقال مدير الاتصالات في المجموعة إنه "بعد نحو ثلاث ساعات على الاعتداء على شارلي إيبدو في باريس وصل رجل حاملا طردا وجدت أسلاك في داخله، فاعتبر مشبوها"، مضيفا أن الشرطة أخلت المكان، حيث يعمل أكثر من 300 شخص.

وفي وقت لاحق، أعلنت المجموعة أن الطرد ليس خطيرا.

ألمانيا تقلل الخطر و«بيجيدا» تتظاهر

أكدت دوائر أمنية مطلعة في ألمانيا عدم وجود دلائل تشير إلى تعرّض أمن ألمانيا لخطر بشكل داهم ومحدد في ضوء الهجوم الذي تعرضت له مجلة شارلي إيبدو الفرنسية.

وأكدت هذه الدوائر أن خطرا مطلقا كان ولايزال يحدق بألمانيا، ولكن ليس بشكل محدد.

كما تشهد العاصمة النرويجية أوسلو يوم الاثنين المقبل مسيرة مناهضة للإسلام، على غرار الاحتجاجات الأخيرة في ألمانيا، حسبما قال منظموها، إلا أن التوقعات تشير إلى مشاركة عدد قليل من المحتجين.

 وقالت حركة "بيجيدا" التي تم تشكيلها في ألمانيا أواخر العام الماضي، على صفحة نرويجية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إنه سيتم تنظيم المظاهرة احتجاجا على هجرة المسلمين ونفوذ الإسلام.

وقد تمت دعوة 450 شخصا عبر موقع فيسبوك للمشاركة في المظاهرة. وبحلول منتصف أمس، أكد 25 شخصا مشاركتهم في المظاهرة.

وقالت شرطة أوسلو إنها على اتصال مع الجهة المنظمة للمسيرة، لكنها لم تتلق بعد طلبا رسميا، حسبما أفادت صحيفة "في جي" اليومية التي تصدر في أوسلو.

وكانت حركة "بيجيدا" وهو الاسم المختصر لـ "تحالف أوروبيين وطنيين ضد أسلمة الغرب" قد نظمت احتجاجات أسبوعية في مدينة درسدن بشرق ألمانيا منذ أكتوبر الماضي.

(برلين- أ ف ب)