مخلفات الحرب العالمية الأولى تؤرق المصريين
لم يهتم المصريون بالاحتفال بمئوية الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، لكن في الوقت نفسه خلَّفت الحرب العظمى الكثير من التداعيات التي أرَّقت المصريين في حياتهم اليومية حتى الآن، بدءاً من وعد بلفور الذي مهَّد لخلق الكيان الصهيوني على الأراضي العربية، مروراً بميلاد حلم الخلافة الذي يسعى تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» إلى تحقيقه، وليس انتهاءً ببعض مواد الدستور المصري القديم التي عُدت المدخل الحقيقي لميلاد الجماعات الإسلامية.
دفعت الحرب قوات الاحتلال الإنكليزي إلى قطع علاقة مصر بالخلافة العثمانية التي سقطت بعد خسارة تركيا الحرب، بالإضافة إلى خنق الحريات وإهدار حقوق المصريين ما دفعهم إلى الثورة عام 1919، وكتابة دستور في 1921 نص على أن «الإسلام دين الدولة الرسمي»، وهي المادة التي استند إليها حسن البنا في تحركاته الرامية إلى إحياء الخلافة الإسلامية، وتكللت بتأسيس جماعة «الإخوان المسلمين» في 1928، لتظل لاعباً أساسياً في الحياة السياسية المصرية. جماعة «الإخوان» لم تكن البنت الشرعية للحرب العالمية وحدها، بل إن حلم الخلافة العربية خرج من أُتون المعمعة الدولية، فحاكم مكة، الشريف حسين الهاشمي، اتفق مع الإنكليز على إحياء خلافة عربية قرشية، لكن أحلامه ذهبت أدراج الرياح، ولم يبق من مشروعه إلا حلم مشوّه تلقفته كل الحركات الجهادية والتكفيرية، وصولاً إلى إحياء الفكرة بصورة مشوّهة على أيدي «داعش»، الذي تمدَّد إلى سيناء المصرية. إلا أن الحدث الأشد تأثيراً في حياة المصريين، كان دونما شك وعد بلفور 1917، الذي أعطت لندن من خلاله الحركة الصهيونية العالمية موطئ قدم في الأراضي العربية بفلسطين.«هذه الأحداث رسمت مسار حياة المصريين طوال القرن العشرين»، هكذا قال أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة «حلوان»، الدكتور عاصم دسوقي، لـ«الجريدة»، مضيفاً أن «هذه القرارات غيَّرت وجه التاريخ، لكنها أثرت بصورة مباشرة في حياة المصريين، وأحيانا انعكست بشكل سلبي عليهم، فمثلاً وعد بلفور أدى إلى ميلاد الكيان الصهيوني الذي استنزف المصريين في حروب طويلة، فالأموال التي انفقت على التصدي للكيان الصهيوني، لو لم يظهر الأخير لخُصِّصت لمشروعات تنموية.