لأننا لسنا في زمن المعقول والمنطق والحكمة، لسنا في زمن العدالة والحريّة، ولسنا في زمن الفكر والإبداع والعمل المخلص، لأننا لسنا في زمن المواطنة والوطنية والولاء والوفاء، فقط لأننا في زمن مختلف تماماً عن القيم والمبادئ والأخلاق التي جبل عليها أهلنا الأولون، نجد كل ما هو لا معقول وغير منطقي يسود واقعنا، نجد الأمور مقلوبةً رأساً على عقب، ونرى الخطأ صحيحا والصحيح خطأ، فنشاهد أن من تصدر المشهد أناس تلوث تاريخهم بالفساد فنصفق لهم، ومخلوقات مشوهة أفكارها بالطائفية والعنصرية فنتبعها، وشخصيات كرتونية أراجوزية تجيد إضحاك الناس بتهريجات سخيفة ومثيرة للسخرية، فنعتبرهم مبدعين ومصلحين وأصحاب رأي وفكر.

Ad

لأننا في زمن ظهر فيه الرويبضة ليتحدث في شؤون العامة فسلمناه شؤوننا، وفي زمن يتحدث المرتشي عن الأمانة فأمّناه على مستقبلنا، والحرامي يدافع عن حرمة المال العام فجعلناه حارساً على أموالنا، والفاسد يتحدث عن الإصلاح والتنمية فمكنّاه من مشاريعنا وتنميتنا، ورجل الدين الذي يدعو إلى الوحدة الوطنية بنفس طائفي فجعلناه لنا إماماً وقدوة، لأننا في زمن تحولت فيه ظاهرة الفساد إلى ثقافة شعبية وموروث اجتماعي يتباهى به الفاسد دون حياء، ويدافع عنه أقرباؤه وأتباعه دون خجل، ويحترمه المجتمع كرجل دولة، ويصنف فساده كتنمية يسجل له كإنجاز وطني.

لأننا في زمن اللا مبدأ واللا قيم واللا أخلاق نرى صاحب الفكر والرأي يعتقل فنتهمه بالتعدي والتطاول، ونشاهد المصلحين في السجون فنصفهم بالطيش والغباء، ونرى الفاسد يمرح بفساده فنعتبره ذكيا، والمرتشي يتباهى برشوته فنقول عنه "شاطر"، وسراق المال العام يتبجحون بسرقاتهم فنقول عنهم من "صاده عشى عياله"، فأصبحت ثقافتنا بلا قيم ولا أخلاق ولا مبادئ. لأننا في زمن أصبح الجميع في اتجاه واحد، اتجاه منحرف وثقافة فاسدة ومن يحد عن هذا الاتجاه ينبذه المجتمع ويعتبره مجنونا يغرد خارج السرب ويجب أقصاؤه.

يعني بالعربي المشرمح:

ما لم نهتم لهذا الزمن الملوث فسوف ينشأ لدينا جيل ثقافته الفساد وإنجازاته السرقات والاعتداء على المال العام ومقدرات الدولة، وموروثه الكذب والتزييف والانحراف، فتندثر القيم والأخلاق والمبادئ التي جُبلنا عليها، وسيتسابقون على نحر الوطن بسكاكين وطنية ليفوزوا بأكبر قطعة منه دون أن يشعروا بقيمة الوطن والمواطنة، ويعوا مدى خطورة ما زرعناه لهم في هذه المرحلة اللا منطقية واللا معقولة.