لبنان طائر الفينيق المشوي!

نشر في 11-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 11-09-2014 | 00:01
لم يكن لبنان يوماً بلداً سَاكِنَ الطائر. من انتداب إلى حرب أهلية، ثم عدوان إسرائيل، فعدوان آخر... واليوم تعمّه فوضى الخطف المتبادل ويقض مضجعه هاجس حرب أهلية جديدة. ما إن يخرج البلد من جحيم حتى يمُسّه الشيطان مجدداً. ليخرج هذا الشاعر وذاك الروائي وذياك السياسي، ويَرُزَّ في أجوائنا رماد طائر الفينيق المنبعث.

رافقت أسطورة طائر الفينيق البلد في رحلاته كافة. منطق النحر الطاغي على مشهد البلد اليوم، يعيد هذه {الخرافة} إلى الواجهة. هل مات الطائر وتنتظر السكين {قيامته} لتتوقف عن سطوتها؟ لبنان- طائر الفينيق، نُحر وشوي وبات طبقاً على مائدة، هكذا رسمه علي الرافعي، فنان من طرابلس.

كم مرة تحسَّس لبنان- طائر الفينيق عنقه؟ في الشعر والرواية والسياسة والاقتصاد والتربية والرياضة... تلازمت الإشارة إلى طائر الفينيق والإخفاقات. الطائر ننظر إليه باعتباره رمزاً إلى تجدّد وعودة وانبعاث، وتختصر دلالته كلمات كثيرة نقولها عن بلدنا أو وقائعنا أو ذاتنا. والأرجح أن الحضور المكثف لطائر الفينيق في ثقافتا، وبالتالي خطاباتنا ومناسباتنا وأشعارنا، يعود إلى كثافة صور الأزمات في حياتنا، واحتراق بلدنا في أكثر من حرب أهلية وأكثر من فتنة وقتال واقتتال وغزو. كأن قدر لبنان أن يحترق دائماً، ومهمتنا أن نتغنى بأنه سيعود.

«راجع راجع يتعمر راجع لبنان}، غنى زكي ناصيف وغيره من فنانين، وما يُقال عن لبنان ينطبق على بلدان عربية عدة.

رسم كثيرون الطائر بأشكال مختلفة، تدلّ في غالبيتها على الولادة والعودة إلى الحياة والانبعاث. طائر يمثّل الخلود، السلام والمحبة، يشعر بنا نحن البشر على الأرض، يبكي علينا فنبرأ. يزورنا فتلتحق بنا رائحة اللبان والبخور. يراه {أصحاب البصيرة} فحسب حياً، ويكحِّل الناس كلهم عيونهم بموته، ثم يروحون يحتفلون بانتظار انبعاثه... صور عدة يغلُب عليها المنطق الشاعري النمطي. ولكن في {ستنسل} Stencil الرافعي، يميل المشهد بمضمونه إلى سخرية مُرة، مختلفة وواقعية. اختار فنان الشارع أن يرسم على أحد جدران العاصمة بيروت فروجاً مشوياً {مستلقياً} في صحن، وإلى جانبه شوكة وسكين على استعداد للانقضاض عليه في لحظة جوع أو اشتهاء أولى.

الطائر النسري تحجَّم ليسعه طبق صغير. غادر الجنة مخاصماً لغة الشعر وخطب السياسيين، حرقه لونه الذهبي الناري. لم تسعفه طرة من ريش على رأسه، ولا ريش ملائكي الملمس. خانه ذيله الطويل بألوانه الأحمر والبرتقالي والأصفر الذي طالما أعطاه قوة كافية لأسفار طويلة.

 

 وليمة

ذيَّل الرافعي رسمه بعبارة {طائر الفينيق}، الطائر في الطبق واحد من فراريج المزارع التي نبتاعها مشوية ونلتهمها على عجل. ربما انتهى بلد طائر الفنيق إلى مزرعةً، ونحن نتقاسم روحه كما نتناتش الفروج، ويبقى لكل قطعة فيه، من الفخذين والصدر والجناحين، لحم مما نشتهي وتشتهي الطيور الجارحة، فلا ينجو من أيدينا غير اسمه. لا نخالف الحقيقة في القول إننا في لبنان حوَّلنا طائر الفينيق فعلاً إلى فروج، كل شيء يذهب أن يتهاوى من عليائه، كل شيء يغدو مسخاً، سبق لإحدى الشركات أن حوَّلت الديك البلدي في أغنية سيد درويش إلى فروج، ولم تتردّد إحدى المغنيات في أن تغني الديك صوصاً.

بلدان كثيرة {حلَّقت بها عنقاء مُغْرِّبٌ}، ثم قامت من العدم. ولبنان الناهض مراراً، ما انفك يقع مجدداً. أو هو مشروع سقوط متكرر. طائر الفينيق ما عاد على استعداد للنهوض. ربما أصبح {الدجاجة التي حلمت بالطيران»The Hen Who Dreamed She Could Fly 2000، رواية من الأدب الشعبي في كوريا بقلم صن- مي هوانغ، عُرضت عام 2011 سينمائياً بنسخة رسوم متحركة.

تحلم الدجاجة بالهرب من القن والاحتفاظ ببيضة يخرج منها فرخ تحتفظ وتعتني به. تنشد الحرية وتنجح في الهرب نحو البرية، حيث تخوض صراعات كثيرة. لتجد لاحقاً بيضة وحيدة، فتعطيها ما تحتاج إليه من دفء حتى تخرج منها بطة برية.

اختلافهما لا يمنعهما من المضي في مشوار الحياة معاً. ولكن البطة تريد حريتها أيضاً، فتطير بعيداً عن الدجاجة، لتنظر الأخيرة إلى مشروعها يذهب عنها. وفي لحظة فخر يعتصرها حزن عميق، ينقضّ عليها {ابن عرس}. الأحلام والشجاعة ومشاعر الأمومة والتضحية، لم تمنع نهاية القصة المأساوية. حوَّل علي الرافعي طائر الفينيق إلى فروج في زمن هاجر شعراؤه اللغة، ولم يعد لديهم ما يقولونه. بمعنى آخر، هربت الأسطورة من جحيم الواقع.

back to top