مشاهدة السوريين وهم يتجرعون هوان الغربة في تركيا والأردن ولبنان والعراق ستظل سبّة في جبين الإنسانية، ومن لم يغادرها يرى الموت يدور حوله أينما ولى وجهه، فلا يكاد شبر من أراضيها إلا وطبول الحرب تدق به، والموت يأتيهم زرافات، فأي عز جلبته لهم تلك الثورة؟!

Ad

عندما خرج سِبْط النبي على حكم يزيد بن معاوية ظهرت أصوات تندد بهذا الخروج، رغم الفارق بين من خرج والخارج عليه، فالحسين كما قال "إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين".

هذا الخروج الذي سعى إليه السّبط لم يكن إلا كما أراد له الله ورسوله، فالحسين أعرف الناس بتشخيص الحق في زمانه، فقد أبلغه المصطفى- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن مصرعه والكيفية التي يقتل بها، ومع ذلك خرج بنفسه وأهل بيته، ولم يجبر أحداً على الخروج معه، فكانت ثورته عظيمة بكل معاني الإصلاح.

المفارقة اليوم التي لمست مرارتها من كم النازحين الذين افترشوا الأرض، يعانون كل أنواع العذاب والهوان والذل والتشرد بعد أن جاء أرضهم صناع الموت من شتى بقاع الأرض بحجة الإطاحة بنظام الأسد، لكن سرعان ما تحولت مطالب هؤلاء الدخلاء إلى دولة الخلافة التي حتمت على الشعب السوري العيش غرباء في وطنهم، وأذلاء في دول المهجر.

هذه الثورة لم تكن صنيعة أهلها، بل من صنع اللوبي الصهيوني الذي نجح في إدارة حربها بالوكالة ليصل إلى مبتغاه دون الدخول في المواجهة المباشرة عبر إيجاد كيانات تأكل بعضها بعضا، وللأسف هناك من أبناء قومي من أعانهم على ذلك.

لا أريد الإطالة بالحديث عن تركيا أردوغان التي جمعت متناقضات الإيمان والكفر من مساجد وصالات قمار، ولا عن دورها في تمويل فصائل القتال، فيكفي أنها أضحت معبراً لدولة خلافة "داعش" و"النصرة" والملاذ الآمن لاستثماراتهم.

مشاهدة السوريين وهم يتجرعون هوان الغربة في تركيا والأردن ولبنان والعراق ستظل سبّة في جبين الإنسانية، ومن لم يغادرها يرى الموت يدور حوله أينما ولى وجهه، فلا يكاد شبر من أراضيها إلا وطبول الحرب تدق به، والموت يأتيهم زرافات، فأي عز جلبته لهم تلك الثورة؟!

نرجع إلى مظلومية الشعب السوري، وكيف سيتمكن هذا الشعب من تقرير مصيره، بعد أن تقطعت فيه السبل وضاعت أحلامه وآماله مع أصحاب الكنى والشعور المرسلة، فلا ثورته ظلت سورية، ولا من جاء إليه ناصراً تركه يقرر مستقبله.

المأساة التي يعشها إخوننا السوريون لن تنتهي مع نهاية النظام، فمن جاء إليها من أتباع "داعش" و"النصرة" لن يخرج وسيظل جاثماً على صدورهم، ومن نصر تلك الفصائل الضالة بالمال والسلاح سيتجرع من الكأس نفسها، ومع ذلك يظل الأمل بالله وبإرادة أبناء سورية في الخلاص من هذا الكابوس كبيراً.

ودمتم سالمين.