في السنوات الأخيرة كانت المركبات الجوية غير المأهولة تسكن مخيلة الناس وكوابيسهم في مختلف أنحاء العالم، وفي عام 2014 أعلنت البحرية الأميركية برنامجا تجريبيا يحمل عنوان "الجراد"، أو LOCUST (تكنولوجيا أسراب المركبات الجوية غير المأهولة المنخفضة التكلفة)، وهي التكنولوجيا التي يَعِد المسؤولون بأنها قادرة بشكل مستقل على إرباك وسحق أي عدو أو خصم، وبالتالي "تزويد البحارة ومشاة البحرية بميزة تكتيكية حاسمة"، وباسم ومهمة من هذا القبيل- ونظراً للسجل الأخلاقي المضطرب لحرب الطائرات بدون طيار- فليس من المستغرب أن يشعر كثيرون بالأسف والقلق إزاء الانتشار المستمر لهذه الروبوتات الطائرة.
ولكن من الواضح أن الاستخدام الصناعي للسماء المنخفضة سوف يستمر، إذ إن أكثر من ثلاثة ملايين من البشر يسافرون جواً يوميا، وكل تجمع بشري على كوكبنا متصل بتجمع آخر عن طريق النقل الجوي، وتسعى شركة دي جيه آي الصينية المتخصصة في تصنيع المركبات الجوية غير المأهولة إلى الحصول على تقييم بقيمة 10 مليارات دولار أميركي، وسوف تنمو طائرات الشحن بدون طيار إلى صناعة أكبر في السنوات المقبلة، لأنها ببساطة غير مثقلة بوزن البشر وأجهزة دعم حياتهم، وهذا يعني أنها سوف تطير بتكاليف أقل ولكن بالسرعة والأمان نفسهما.في البلدان الغنية، كان الاهتمام المبكر بالطائرات بدون طيار يركز على ما يسمى الميل الأخير، ممر الهبوط على أعشاب الضواحي. ولكن أكبر الفرص تكمن في طيران الميل الأوسط في البلدان الأكثر فقرا، وإن نحو 800 مليون إنسان في مختلف أنحاء العالم يعانون من القدرة المحدودة على الوصول إلى خدمات الطوارئ، ولن تتغير هذه الحال في المستقبل المنظور، لأن الأموال المتاحة لن تكون كافية لبناء الطرق اللازمة لربطهم. ومن خلال نقل أحمال متوسطة لمسافات معتدلة إلى العديد من هذه المجتمعات المعزولة، يصبح بوسع طائرات الشحن بدون طيار أن تنقذ الأرواح وتخلق فرص العمل.إن طائرات الشحن بدون طيار تجسد ما يسميه جيم يونغ كيم رئيس البنك الدولي "عِلم التسليم"، ونحن نعرف ما نحتاج إلى تسليمه: الحلول للعديد من مشاكلنا الحالية الأكثر إلحاحا. والسؤال هو كيف.الواقع أن التوصل إلى الإجابة عن هذا السؤال هو الذي دفع العاملين في المجال الإنساني، وعلماء الروبوتات، والمهندسين المعماريين، وغيرهم إلى الانضمام معاً في مبادرة جديدة بعنوان "خط أحمر"، وهي عبارة عن اتحاد يتخذ من سويسرا مقراً له ويسعى إلى التعجيل بتطوير طائرات الشحن بدون طيار لأغراض الطوارئ وبناء أول مطارات للطائرات بدون طيار في العالم في إفريقيا.وربما يبدو الأمر أشبه بمدينة التكنولوجيا الفاضلة، أو قد يبدو على الأقل إهداراً للموارد، ذلك أن تجارب منظمات التنمية الأكثر نجاحاً تشير إلى أننا لابد أن نتشكك في قدرة التكنولوجيا المتقدمة على جلب التغير الحقيقي من أجل الفقراء. صحيح أن انخفاض تكاليف معالجة الطاقة تخلق كفاءات جديدة، وخصوصا في مجال الهواتف الذكية وما يرتبط بها من القدرة على الاتصال المفتوح، ولكن أغلب هذه الأدوات أشبه بوميض خاطف، فهي مملة مثل التدريب بالاستعانة بمعلم منخفض التكلفة، والرعاية الصحية المجتمعية، والتدريب الصناعي الذي يحقق النتائج للفقراء.ولهذا السبب، يفضل كثيرون من خبراء التنمية مبدأ "الإبداع المقتصد" على التكنولوجيا، فمنظمة BRAC، التي تتخذ من بنغلادش مقراً لها، وهي أكبر منظمات التنمية غير الحكومية في العالم، تسجل نحو 1.3 مليون طفل في المدارس ذات الفصل الواحد، ولا يوجد هناك جهاز كمبيوتر محمول واحد على مدى البصر إلا بالكاد.لماذا إذاً هذا القدر من التفاؤل بشأن طائرات الشحن بدون طيار؟ الواقع أن وادي السليكون يتحدث بلغة "تعطيل النظم القائمة" الفظة، ولكن من بين أسباب تفضيل طائرات الشحن بدون طيار هو على وجه التحديد أنها لا تعطل النظم القائمة على الإطلاق، بل إنها قادرة على توسيع شبكات التوزيع القائمة ومدها إلى المناطق النائية في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية حيث ينتشر الفقر والمرض، وحيث المسافات هائلة، وبناء الطرق غير وارد في المستقبل المنظور.إن طائرات الشحن بدون طيار متوافقة تماماً مع ما يسمى نموذج تسليم الوكيل المحلي، فقد أظهرت المنظمات والشركات أن النساء اللاتي يتم تدريبهن كصاحبات مشاريع صغيرة في المناطق التي يصعب الوصول إليها في إفريقيا وجنوب آسيا يصبحن في وضع أفضل لتسليم السلع والخدمات الأساسية لقراهن، حتى لو كان تعليمهن الرسمي محدودا. على سبيل المثال، يعمل أعضاء منظمة BRAC من العاملين في مجال الرعاية الصحية المجتمعية على أساس الامتياز الجزئي بشكل كامل، ويجمعون المال من هوامش بيع السلع الأساسية مثل الأدوية المطهرة من الديدان والمضادة للملاريا ووسائل منع الحمل.ورغم أن طائرات الشحن بدون طيار لن تحل أبداً محل النقل البري، فإنها قادرة على ضمان وصول السلع والخدمات الحيوية إلى حيث تشتد الحاجة إليها، فقد حققت الهواتف المحمولة رواجاً كبيراً في إفريقيا لأن التكنولوجيا كانت أرخص كثيراً من الاستثمار في البنية الأساسية اللازمة لتمديد الخطوط الأرضية، وبوسعنا أن نقول الشيء نفسه اليوم عن الطرق في إفريقيا، فمثلها كمثل الهواتف المحمولة، تستطيع طائرة الشحن بدون طيار أن تثبت أنها أكثر المخلوقات نُدرة: فهي أداة تعمل لأولئك الذين هم في أشد الحاجة إليها.جيه. م. ليدغارد & سكوت ماكميلان*جيه. م. ليدغارد مدير مبادرة "خط أحمر"، وكان مراسل مجلة الإيكونوميست في إفريقيا سابقا، وهو مؤلف كتاب "الغرق"، وسكوت ماكميلان كبير مؤلفين لدى BRAC.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
طائرات بدون طيار من أجل التنمية
17-06-2015