يبدأ اليوم سباق الإنهاك الاختياري الذي أوجده المنهكون في زمن قريب كان بالإمكان السيطرة عليه، ولكنه اليوم تحول لعملية إنتاجية ضخمة متعددة الأوجه صنعت لأجل المستهلك، دون أن تكون له قدرة على التأثير الحاسم فيها.

Ad

معركة شهر الصيام تبدأ قبل أن يبدأ الشهر الفضيل بالتنافس الترويجي لأعمال تلفزيونية تفوق قدرة المشاهد المتفرغ على متابعة ربعها، وبطوفان من العروض المغرية للسلع والمأكولات التي سيذهب جلها لبطون الحاويات والقطط التي ستفرح معنا بشهر الخيرات، وقبل أن ينتصف رمضان تبدأ دوامة "القرقيعان" التي أفرغت من صميم براءتها لنصنع من الحلويات الملبسة والمكسرات الجافة التي "تقرقع" داخل سلة من القماش الأبيض الرخيص صناديق متفجرة بالتباهي والغلاء، وأيضاً قبل أن يبدأ الثلث الأخير يخرج رمضان من حساب من انشغلوا بلباس العيد والسفر وكيفية مشاهدة الحلقات الأخيرة للركام المتجلط في شرايين البث الفضائي.

في رمضان لدي تجربتي الشخصية من زاوية المسلسلات تتلخص في كوني من عشاق متابعة المسلسل الواحد، مثلا عام 2013 تابعت "موجة حارة" للراحل أسامة أنور عكاشة، وهو مسلسل مفعم بالإسقاطات قبل ثورة يناير سياسيا واجتماعيا، وفي عام 2014 تابعت "الوصايا السبع" وهو مسلسل حاول تفكيك شباك الخرافة بخطاب العقل، وجسّد عملية تصنيع الأكاذيب المقدسة، وكيف يتلقفها البسطاء في قالب من الكوميديا السوداء والحركة الرشيقة المترابطة لأحداث متفرقة مع نهاية مأساوية، وسؤال كبير هو "كيف اختفت جثة سيد نفسية؟".

تجربتي الشخصية هي رد فعل رافض لأكذوبة ثلاثين حلقة ومئة مسلسل لا تجد مساحة للعرض غير شهر رمضان، فلا أحد يجبرنا على متابعة غثاء منفلت وسباق سقيم لأعمال تنتهي صلاحيتها بنهاية الظروف التي عرضت فيها، الطريف في الأمر أن قمم المسلسلات الكويتية لا تزيد حلقاتها عن 15 حلقة، ولا تزال تعرض حتى اليوم على قنواتنا والقنوات الخليجية.

ليس هناك مستحيل أن نعود لنظام 15 حلقة إذا ما شعرنا بوجود خلل في الشكل أو المضمون، المهم أن نقول ذلك ونصرح به، فلكل واحد منا اليوم صوت يمثله في وسائل التواصل الاجتماعي، والمنتجون وفوقهم المعلنون حساسون من توجهات الرأي العام؛ لأن المسألة فيها ملايين، وقد تنقلب الحال ليكون شهر رمضان فترة طاردة للمسلسلات ومخفضة للإعلانات بالتبعية.

إن الإرادة الجماعية، متى ما توافرت للتغيير، لا شيء يقف في وجهها، وما زلت أذكر بفخر كيف أرجع جمهور النادي العربي موضة "الشريمبة" للقرن الحادي والعشرين لأنه أراد ذلك، ولا أعتقد أن عودة المسلسلات نصف الشهرية ذات المضمون المفيد والمكثف ستكون مهمة صعبة لو أراد أحد المنتجين تجربتها، وتحسس الرأي العام من خلالها.

في الختام مبارك عليكم الشهر الفضيل، وأعاده الله عليكم باليمن والبركات.