يبدو الصراع بين «القط»و«الفار» ملمحاً رئيساً في الأفلام التي يكتبها المؤلف الكبير وحيد حامد، وإن اتخذ الصراع بينهما أشكالاً متعددة تختلف باختلاف الثنائية الجدلية التي يتناولها، كالظلم والعدل في فيلم «الغول»، السلطة والشعب في «اللعب مع الكبار»، القهر والحرية في «المنسي» والبراءة والبطش في «الوعد». لكنه لا يكتفي في فيلمه الجديد «قط وفار» بالإسقاط على الصراع، بل يُحدده بدقة، ومباشرة، في إطلاق لقب «القط» على الضابط «عباس» (محمود حميدة) و»الفأر» على الشاب «حمادة» (محمد فراج) الذي يعاني مشاكل نفسية بسبب شكه في أن أمه «ألطاف» (سوسن بدر) تُعد مطمعاً لأهل الحارة فضلاً عن مشاكله العاطفية المتمثلة في البحث عن الفتاة التي توافق على الارتباط به!

Ad

على صعيد الشكل، أيضاً، يبدو «حمادة» أقرب إلى «الفأر» بأسنانه البارزة، وملامح وجهه، بينما يبدو الضابط «عباس»، بميله الدائم إلى العنف، ومهارته الواضحة في القنص والافتراس، أشبه بـ «القط»، الذي يصقل مخالبه لنهش ضحاياه. بل إن الفيلم يكاد يبدو مغامرة جديدة من مغامرات «توم وجيري»، سواء في إيقاعه وتصويره أو مواقفه وشخصياته.

 يمثل فيلم «قط وفار» واحدة من التجارب النادرة التي اعتمد فيها الكاتب الكبير وحيد حامد على قصة لم يكتبها، كما فعل سابقاً في فيلم «عمارة يعقوبيان» (2006) المأخوذ عن قصة من تأليف علاء الأسواني. لكنه يستلهم، هذه المرة، أحداث فيلمه الجديد من مجموعة قصصية للكاتب عبد الرحمن فهمي انتهى الفيلم من دون تسميتها، واكتفى بكتابة السيناريو والحوار، الذي اتسم كعادة الأعمال التي يكتبها بطزاجة، وجدة، وطرافة، واكتشاف الجديد المتمثل هنا في دعم المخرج الشاب تامر محسن، الذي تعاون معه في المسلسل الدرامي «بدون ذكر أسماء»، والثقة في موهبة الوجه الشاب محمد فراج، وتغيير شكل وأداء النجم محمود حميدة!

يبدأ فيلم «قط وفار» بلقطات تقسم الإطار على الشاشة، وقطعات متوازية (مونتاج وائل فرج) بين الحارة الشعبية بأهلها البسطاء الذين يسكن بينهم «حمادة» وأمه، والحياة الفارهة التي يعيشها «عباس»، والهيبة التي يتمتع بها، قبل أن نرى موكبه، وهو يجتاز بوابات وزارة الداخلية، ولحظتها نُدرك أنه «وزير الداخلية» الذي لا تُرد له كلمة، ويهاب الجميع قراراته. لكن «حامد» يلجأ، كعادته، إلى تقديم شخصية «وزير الداخلية» بصورة كاريكاتورية ساخرة؛ إذ يؤكد أن «الأسد» في عرين وزارته ليس سوى «نعامة» في بيته؛ حيث تملك زوجته (النجمة السورية سوزان نجم الدين) مقاليد الأمور، وتسيطر على شخصيته، لدرجة أنها تُحرم عليه أن يناديها باسمها الأصلي «ميرفت»، وتؤكد عليه أن يدعوها «مافي»!

لا أدري السر وراء اقتباس المخرج تامر محسن مشهد هيفاء وهبي في دعاية فيلم «حلاوة روح»، ومن قبلها الإيطالية مونيكا بيلوتشي في الفيلم الإيطالي Malena، والرجال يتحلقون حولهما بغية الفوز بنظرة أو ابتسامة، ليوحي بأن {ألطاف} تؤرق مضجع رجال الحارة، وكان بمقدوره أن يُبدع تصوراً جديداً بدلاً من التكرار الذي يعكس قلة حيلته. كذلك الحال بالنسبة إلى الموسيقى (محمد مدحت) التي لم تخل من ضجيج وزعيق، على عكس الكاميرا (فيكتور كريدي) التي أدَّت دوراً درامياً كبيراً في فضح المشاعر الداخلية، عبر الاعتماد على اللقطات الكبيرة المقربة، وإظهار التناقض بين حياة البسطاء في الحارة، وحياة البذخ والترف التي تتمرغ فيها عائلة {وزير الداخلية}، رغم الأصل الوضيع لـ {عباس} و}مافي}، حسبما كشفت عنه الأحداث، والمواقف، والحوارات. وتأكد ذلك بالفعل في مشهد ظهور {عباس القط} في الحارة ليقبض على {حمادة الفار}، والفضيحة التي طاردته على يد العجوز (القديرة ثريا إبراهيم) التي ربته في طفولته، وعايرته بما أصبح عليه من جحود ونكران، بسبب الجذور التي تخلى عنها، والأصل الذي تجاهله، وكان سبباً في ويلاته، ومتاعبه!

بالطبع لم يكتف وحيد حامد بمناهضة ممارسات {وزير الداخلية}، وإنما وجه انتقادات عنيفة إلى تغييب القانون، وطبقة المحامين،  وتهافت المؤسسات الصحافية، وطغيان الوساطة. لكن تملكني شعور وأنا أتابع أحداث فيلم {قط وفار} بأنني حيال النسخة الحديثة من فيلم {أي أي}، الذي أنجزه المخرج الراحل سعيد مرزوق عام (1992)، واختار لبطولته: ليلى علوي، محمد عوض، كمال الشناوي وأشرف عبد الباقي. فالحديث عن الجثة التي يجري استغلالها، والمتاجرة بها، هي نفسها فكرة فيلم {أي أي} المأخوذ عن فكرة كتبها حمدي حسن وصاغ لها السيناريو والحوار بسيوني عثمان. لكن يُحسب لفيلم {قط وفار} أنه أعاد للسينما قلم الكاتب الكبير وحيد حامد، بعدما غاب عن الساحة عقب عرض فيلم {احكي يا شهر زاد} (2009)، وانشغل بالكتابة للتلفزيون، وهو القادر دائماً على تحريك المياه الراكدة.