يحتفل العالم بالثامن من مارس في كل عام بـ "يوم المرأة العالمي"، وتجتهد المؤسسات الرسمية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، في كل بلدان العالم بالاحتفاء وتكريم نساء مشهورات لهن حضورهن المشهود على ساحة العمل الاجتماعي، لكني أرى أن النساء العربيات في مختلف أقطار الوطن العربي، وخاصة في السنوات القليلة الماضية، هن من يستحق التكريم.

Ad

المرأة العربية، الأم والأخت والزوجة والابنة، تعيش عنف ووحشية حروب مجنونة، تسحق الأخضر واليابس هي من يستحق التكريم.

مهما كانت محبة رجلٍ لزوجته، وقربه منها، ومشاركته لها لحظات حملها، منذ رفة الفراشة في رحمها حتى الولادة، لا يمكنه معاناة ومعرفة ما تمرّ به، فالنار تحرق قدم وروح من يسير على جمرها!

مهما كان تعلق رجل بولده، فإنه لا يعدل خفق قلب أم على وليدها، ولا يمكن لرجل في الدنيا، أن يجرّب أو يشعر بلذة وخصوصية استقرار طفلٍ وليد في حضن أمه، وامتصاصه لرحيق الحياة من صدرها!

مهما كان قرب رجل من بيته وأسرته، فوحده حضن الأم هو المدرسة الأولى. وحده لسانها الرطب باللهفة هو من يشكّل مفردات اللغة في وعي طفلها الوليد. ولذا يشترط العالم في أي متقدمٍ لامتحان لغة أن تكون "لغته الأم" هي اللغة التي تمكّنه من خوض واجتياز الامتحان. فمفردات لسان الأم هي منْ تشكّل مفرداته وتلوّن لوحة وصله بوطنه والحياة!

مهما تفانى رجل في سبيل أسرته، فلن يرقى لوصل الأم بأبنائها. ففي لمسة يدها يختبئ هدوء الروح، وفي نظرة عينيها يكمن فهم لحظة الحياة. لذا فمن فَقَدَ أباه في صغره، عاش يتيم الأب، وترقرقت مشاعره في حضن أمه. لكن، من فَقَدَ أمه في صغره، عاش حياة دون حضن الحياة، وهو يتيم حياة لا يتيم أمٍ.

مهما كان تفهم رجل لطبيعة درس وتدريس الأبناء، فقرب الأم منهم هو قرب الأمان، ومتعة تعلم رسم الحرف. ولذا يقول الشاعر حافظ إبراهيم: "الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها، أعددت شعباً طيب الأعراق ". نعم هي المدرسة، وما تقوله يعرف طريقه للقلب لأنها تمتلك مفتاحاً لقلب أبنائها. ولذا فهناك الكثير من الأمهات الأميات، اللاتي لا يعرفن القراءة ولا الكتابة، ولم يدخلن مدرسة، لكنها الأم، بفطرتها البشرية، وبعطائها المخلص، ورهافة مشاعرها، قادرة على أن تكون المدرسة الأهم في مسيرة أي إنسان، ومن خاب في التخرج من مدرسة أمه، فقد فاته ألذ علمٍ وأطيب خلق.

للمرأة يوم عالمي يكرمها المجتمع البشري فيه، لكن نساء وطننا العربي، أمهات، وأخوات، وزوجات، ومنذ اندلاع ما بات يُعرف بالثورات العربية، يعشن وضعاً مأساوياً يصعب وصفه، ويصعب التعبير عن مآسيه، ويصعب استيعاب ما يحدث فيه. ويصعب أكثر تصور ما يصيب قلب وروح الأم والأخت والزوجة والبنت فيه. وضعٌ مجنون تُطعن فيه الأم والزوجة والابنة في كل يوم ألف مرة، وتموت وهي ترى الأب والأخ والزوج والولد يموتون كأرخص من يكون الموت، ويجنّون كأبشع ما يكون الجنون، ويقتلون كأوجع ما يكون القتل!

للرجال معاناتهم في أوقات الحروب، وللنساء الحطام.

منْ يستطيع تصور لحظة رعب عاشتها فتاة أو امرأة بين يدي جلاد راح يغتصبها، أو يعبث بجسدها ويعذبها؟!

كيف لقلب أمٍ ألا يتفطر وهي تعيش مشهد موت أبنائها مدفونين تحت سقف بيتها؟

أي وجع يهزّ قلب أم وهي ترى ابنها يحمل بندقية ويسير إلى الموت، أو تراه يُساق كالخروف إلى الذبح، أو تراه مشنوقاً، أو تراه ممسكاً بسكين يجزّ رقبة شاب آخر!

لقلب المرأة السلام اليوم وفي كل يوم!