فجر يوم جديد: {شهر زاد}... والنقاد!
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
نجح المخرج الجنوب إفريقي في صنع فيلم مصري حتى النخاع، بل يمكن القول من دون مبالغة إنه أنجز فيلماً عبر عن الثورة المصرية، وروح مصر والمصريين، بأفضل مما فعل مخرجون مصريون كُثر. كما قدم إرهاصات ثورة 25 يناير وتداعياتها، رصد الواقع الضبابي (القاهرة الشاحبة المتوارية خلف دخان التلوث) وتأسى على الحضارة التي تتراجع وتوشك أن تندثر (الأهرامات تكاد تختفي بسبب زحف العشوائية)، وظف خيال الظل وصندوق الدنيا، إضافة إلى اللوحات التشكيلية، وعروض المسرح المتجول، وعروض الحكي، لالتقاط صور الحياة اليومية، ووجوه المصريين المكتسية بمشاعر يغلب عليها الدفء والحزن، فالأغاني أقرب إلى نواح أو أنات مهزومة، بل هي أقرب إلى «عدودة» حزينة تنعي شهداء الثورة، ومن بينهم أطفال وشباب في عمر الزهور، وتواسي أمهات الشهداء. من ثم أعلن الفيلم موقفاً منحازاً للتغيير، وحرية التعبير، ومناهض للقهر والفن المصطنع، لكنه نأى بنفسه عن مناهضة نظام بعينه! تجلَّت هذه الروح المصرية أيضاً في صوت الفنانة الراحلة زوزو نبيل وهي تروي حكايات «ألف ليلة وليلة» في المسلسل الإذاعي الشهير، كذلك لوحة الخيامية الضخمة التي صممها هاني المصري، وحملت اسم «ألف ليلة وليلة». لكن الروح تمثلت في القطع المتوازي بين الآلات الموسيقية في السيمفونية الشهيرة وصوت طرق الأنابيب وصاجات بائع العرقسوس في الشارع المصري، فضلاً عن التأثر الواضح من المخرج، وهو نفسه كاتب السيناريو، برواية «ليالي ألف ليلة» لأديبنا الكبير نجيب محفوظ. في الرواية يقول محفوظ : {الجنة نفسها لا تغني عن الإنسان شيئا إذا خسر حريته»، بينما يتبنى الفيلم رسالة تقول: «الموت أفضل للشعب عن العيش بدون هدف». ومثلما ينتصر «محفوظ» في روايته للأنثى «شهر زاد»، التي تتعرض للقهر في المجتمع الذكوري، ينحاز الفيلم إلى المرأة في مصر وتركيا ولبنان، سواء أكانت محجبة أو سافرة، وترصد الكاميرا أكثر من «شهر زاد» في الشوارع والميادين. وضع ريمسكي كورساكوف قطعته الموسيقية الخالدة «شهر زاد» في أربع حركات، أولها «البحر وسفينة السندباد»، وثانيها «الأمير الكالنداري» وثالثها «الأمير الشاب والأميرة» ورابعها» الاحتفالات في بغداد» بينما حرص «فيرستر» على أن يتكون فيلمه من أربعة كتب تحمل عناوين ذات مغزى، ولعلها المرة الأولى التي يتم فيها توظيف سيمفونية «شهر زاد» بشكل تنويري أو تثويري، وبدلاً من تدشينها، كما هو معتاد، لتكريس الحلم الرومانسي، قُدمت كسلاح في وجه القمع، ووسيلة من وسائل التعبير السياسي؛ فالآلات النحاسية بصوتها المدوي، والوتريات بإيقاعها المخيف، والمهيب، تتناغم ووتيرة الأحداث والثورة والمظاهرات، وتتداخل الموسيقى والسياسة. ومشهد بعد الآخر، يؤكد الفيلم أن «ألف ليلة وليلة» ليست مجرد رواية خيالية لكنها الثقافة أو صورة الثقافة، ويثمن مكانة «شهر زاد»، التي تقول الحقيقة لكن الحقيقة لدى البعض دائماً ما تكون عارية، ويرى أن عودتها هي عودة للقيم الخالدة في المجتمع، ويُعيد على مسامعنا مقولة نجيب محفوظ: «الثورات يخطط لها الدهاة وينفذها الشجعان ويجنى ثمارها الجبناء»، ويتبنى مقولة حسن الجريتلي مؤسس فرقة «الورشة»: «الوعي الذي اكتسبه الشعب المصري بعد الثورة لن يختفي أبداً». لكن «حلم شهر زاد» كان سبباً في انقسام نقاد السينما المصريين بشكل مروع، ففي الوقت الذي امتدحه البعض بقوة اتهمه البعض الآخر بأنه «كابوس»!