تعاني القوانين الجزائية والإجرائية قصوراً من حيث توقيع العقوبة على رجال الأمن أو ضباط المباحث المخالفين لنصوص القانون، وذلك على الرغم من تسببهم في حبس العديد من الأبرياء، بسبب تقديمهم أدلة مختلقة أو تحريات غير جدية.
في الوقت الذي تسمح فيه القوانين بأحقية رجال الأمن في التحفظ على المشتبه بهم مدة يومين، وتقديم الأدلة بحقهم، ليحالوا بعد ذلك إلى القضاء ليحاكموا أمامه، فيصدر أحكاما لمصلحتهم بالبراءة، يقف القانون عثرة أمامهم للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابتهم بسبب ضبطهم، أو حتى إحالتهم إلى القضاء للمطالبة بالتعويض كضحايا للقبض العشوائي!العشرات من القضايا الجنائية التي تحكم بها دوائر الجنايات أو الجنح بحق عدد من المتهمين، وتنتهي إلى القضاء ببراءتهم من الاتهامات المنسوبة إليهم، بسبب بطلان الإجراءات، أو لعدم سلامة التحريات التي يقدمها رجال المباحث الجنائية المكلفون تقديم التحريات في كل القضايا الجنائية، إلا أن طريق التعويض عن الأضرار التي تصيبهم حافل بكثير من القيود المشددة، أهمها كيدية البلاغ المقدم، أو أن تكون الأحكام الصادرة بالبراءة تنتهي إلى عدم وجود الجريمة!وثمة العديد من التساؤلات التي تطرح هنا، وهي مَن يعوض المحكوم على استيقافه غير القانوني أو القبض عليه بلا دليل، أو حبسه على ذمة القضية أو توكيله محاميا للدفاع عنه لقاء مقابل مادي؟ضمانة وحمايةوفي ذلك يقول نائب رئيس جمعية المحامين الكويتية، المحامي عبدالرحمن البراك، إن على المشرّع الكويتي النظر في القوانين الجزائية والمدنية، وذلك حتى يتسنى للمحكوم عليه في القضايا التي يحكم فيها بالبراءة مطالبة وزارة الداخلية أو العاملين فيها بالتعويض في حال ثبوت مخالفة هؤلاء العاملين للإجراءات التي نص عليها القانون.ويضيف البراك قائلا: إن تطبيق القوانين الإجرائية يجب أن يكون متوافقا مع صحيح القانون من دون تعسف أو مغالاة أو تعدّ على نصوصه، وذلك لأن القانون عندما نص على هذه النصوص جعلها كضمانة وحماية للمتهم، وبالتالي إذا ما انتهكت وجب القضاء ببراءته، وبأحقيته بالتعويض على الأضرار التي أصابته بسبب الاستيقاف أو القبض غير القانوني.ويبين أنه بينما يتطلب الأمر محاسبة المتسببين عن الأخطاء الصادرة منهم، نجد أن بعضهم يلقى التكريم والإشادة، بل ومنح المكافآت المالية، على الرغم من انتهاء القضاء إلى الحكم ببراءة من تم ضبطهم لبطلان الإجراءات أو القبض، أو حتى لعدم ثبوت أنهم الجناة الحقيقيون في القضية، أو لأن الاعترافات انترعت منهم بالإكراه.ويوضح أن على المشرع وضع المزيد من الضمانات القانونية للأفراد بما يمكنهم على نحو أوسع من الرجوع بالتعويض على الضباط أو الوزارة، نتيجة الأضرار التي أصابتهم مهما كانت، لافتا إلى أن أحكام محكمة التمييز انتهت في العديد منها إلى أنه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب، بقدر ما يضيرها الافتئات على حقوق الناس وحرياتهم، وهو ما يعني أن القضاء يولي أهمية كبرى لحقوق الأفراد، ولا يهمه أن يفلت مجرم من العقاب بقدر ما يجب توفير الحماية والضمانات القانونية التي نص عليها القانون له، دون تعسف أو تعدّ أو خلق للجريمة.إعادة نظرمن جانبه، يقول المحامي فيصل النومس إن على مجلس الأمة إعادة النظر في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، بما يسمح بتغريم الشرطي أو الضابط الذي تثبت الأحكام القضائية عدم جدية تحرياته أو بطلان القبض الصادر منه، أو لثبوت تلاعبه بالأدلة المعروضة في القضية.ويضيف النومس أن العديد من الأحكام القضائية التي تنتهي إلى براءة المتهمين كشفت عدم جدية التحريات المقدمة من بعض ضباط المباحث، وهي تكون أقرب إلى التلفيق بحق المتهمين، بهدف إغلاق العديد من الملفات الجنائية المفتوحة أمامهم.ويبين أن إصدار أحكام بالبراءة للمتهمين ليس الحل المرضي لهم، بل يتعين معاقبة هؤلاء الضباط على الأخطاء التي تسببوا بها بالغرامة أو الحبس، وفي ذات الوقت يفتح ذلك المطالبة بالتعويض ضدهم، حتى لا تكون محاضر التحريات، أو حتى المصادر السرية ذريعة للقبض على الأشخاص من دون ذنب، والإلقاء بهم لعدة أشهر في السجون، ومن ثم يأتي القضاء ويحكم ببراءتهم، وهو حل سيجعل من المحاضر التي تقدّم بحق المتهمين أكثر دقة وجدية، لأن بعض الضباط سيخشون العقاب من التحريات غير الجدية.أما المحامي مهند الساير، فيقول إن كثرة الأحكام الجنائية ببراءة العديد من المتهمين ومن مختلف الدرجات القضائية تؤكد عدم سلامة العديد من الإجراءات التي يتبعها رجال المباحث، أو من يتولون الضبط باسم القانون، لافتا إلى أن القانون ليس الشماعة التي يتمسك بها رجال المباحث أو رجال الأمن لإلقاء القبض، بل يجب أن يكون هو السلاح الذي يشهر في وجه بعض رجال الأمن الخارجين على تطبيق القانون.غير منصفويضيف الساير قائلا إن هناك العديد من المتهمين تم القبض عليهم وتلفيق التهم بحقهم، من دون أن يكون القانون منصفا لهم بالرجوع بالتعويض على بعض رجال الأمن، وهو الأمر الذي يجب معه على المشرع النظر في إمكان السماح للمحكوم الرجوع بالتعويض على رجال الأمن المخالفين لتلك الإجراءات.ويقول إن هناك العديد من القضايا انتهت فيها المحاكم إلى عدم صلة المتهم بالواقعة المضبوط فيها، أو لبراءته لعدم ثبوت الأدلة، أو لتشكك المحاكم في التحريات المقدمة في القضية، والتي تكون الدليل الوحيد بالقضايا دون أن يسمح للمتهم بالرجوع بالتعويض على الضابط أو وزارته، لأن الأحكام الصادرة انتهت إلى الشك.بينما يقول المحامي معاذ الرويح إن توفير المزيد من الضمانات القانونية للمتهمين، وخصوصا ممن يصدر القضاء أحكاما ببراءتهم من الاتهامات المنسوبة اليهم أمر بات ضروريا، مع تزايد أحكام البراءة في العديد من القضايا الجزائية.مادي ومعنويويوضح الرويح أن الأضرار التي تصيب الشخص حال اتهامه بقضية جزائية جزء منها مادي بحبسه أو بتعرضه بالحبس، وآخر معنوي بشعوره بالظلم الذي لحقه أو حتى بتعرضه للفصل من وظيفته، لافتا إلى أن تعويض هذا الشخص يجب أن يكون على قدر الضرر الذي أصابه، كأن يعاقب الشخص المتسبب بتقديم التحريات أو الأدلة المختلقة، أو حتى بتمكينه من طلب التعويض المباشر، دون وضع قيود مشددة لقبول هذا الطلب.وختم: إن مطالبة المشرع الكويتي بهذا النوع من التعديلات تهدف إلى تحقيق نوع من التوازن للمركز القانوني للمتهمين، فضلا عن إيقاف كل محاولات التدخل في القضايا الجزائية التي يقوم بعض رجال الشرطة أو ضباط المباحث بها، إما خدمة لبعض الخصوم في القضايا، أو حتى لإغلاق بعض الملفات المفتوحة، فضلا عن إلزامه بتقديم تحريات حقيقية عن الوقائع المكلف بالتحري عنها.
ألبومات
مَن يعوّض الأبرياء عن الأخطاء الإجرائية لضباط «الداخلية»؟
30-09-2014