تئن الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي من وطأة الخسائر الفادحة، التي سجلها الجهاز المركزي للمحاسبات في تقرير رسمي أكد فيه أن «الأعمال الفنية التي تم إنتاجها بلغت 461 مسلسلا بتكلفة 594 مليون جنيه في حين بلغت العائدات 464 مليون جنيه فقط».

Ad

 وأعلن رئيس الشركة أسامة هيكل «أن هدفه منذ أن تولى إدارتها هو وقف نزيف الخسائر، وتحويلها إلى شركة رابحة»، ومع هذا تجد الشركة الخاسرة المال والوقت للدخول في شراكة مع شركة «شاهين فيلم»، التي تملكها إلهام شاهين وأشقائها، لإنتاج فيلم «هز وسط البلد» سيناريو وحوار وإخراج محمد أبو سيف، الذي اختارها للبطولة، ومعها شقيقها أمير، بينما تولى الشقيق الثاني أيمن مهمة الإشراف العام على الإنتاج، الذي أسند مسؤوليته إلى نجله محمود، واختيرت شقيقتهم إيناس للإشراف الفني Art Director!

تبدأ أحداث فيلم «هز وسط البلد» بلقطات لفقراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء جنباً إلى جنب مع الكلاب، بينما تشير ساعة الميدان إلى السابعة صباحاً، وفي إشارة لا تخلو من مباشرة فجة تركز الكاميرا على لوحة مرورية لسيارة تحمل حروف «ي و م» والأخرى «ط ي ن»، ثم ترصد الكاميرا سكيراً (تامر عبد المنعم) يدعو الله، وبيده كأس الخمر، أن يغدق عليهم بالمال والإيرادات التي تؤدي إلى نجاح فيلم تقول الأفيشات الدعائية على واجهة دار العرض إن اسمه «الصدر والورك»!

هذا الإسقاط، في حال اعتبرناه كذلك، ينقلب إلى غلظة مع هبوط امرأة أخرى مخمورة من سيارة، وتتعثر خطواتها وهي تحاول تلمس مدخل العمارة التي تقطنها فتلجأ إلى جارها الملتحي الذي يسكن العمارة المجاورة، ومن دون سبب تكيل له الشتائم، وتسخر منه بسماجة. وبعدها يبدأ الفيلم باستعراض شخصيات قاطني «وسط البلد»، التي أصبحت بديلاً للوطن بأكمله، إذ تضم السفير السابق (محمود قابيل) جنباً إلى جنب مع تاجر السوق السوداء (لطفي لبيب)، الراقصة المعتزلة (هياتم)، الفاجر (فتحي عبد الوهاب)، الأم المتسولة (إلهام شاهين)، منتج السينما الهابطة (تامر عبد المنعم)، صاحب المقهى (علي حسانين)، الصحافي الوضيع (رامي غيط)، البائعة الجائلة (حورية فرغلي) والباحثة عن لقمة عيش شريفة (زينة)، بالإضافة إلى المتطرف (عمر حسن يوسف) الذي يصنع القنابل لحساب الخائن (منذر رياحنة)!

منذ الوهلة الأولى يستشعر المتابع أن ثمة تمازجاً وانصهاراً، أو ما يُطلق عليه تماهياً، بين «هز وسط البلد» و»كباريه» (إنتاج 2008) تأليف أحمد عبد الله والمخرج سامح عبد العزيز. ففي التجربتين وحدة زمانية ومكانية، وعظة أخلاقية مباشرة (صنوف البشر، الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ومن ثم يستوجب عقابهم، ومحوهم من على وجه الأرض)، بواسطة متطرف فجر نفسه في «كباريه» وأصبح أكثر حرصاً في «هز وسط البلد» فاكتفى بتصنيع ست قنابل موقوتة!

 أمر طبيعي أن تتحمس إلهام شاهين لإنتاج فيلم «هز وسط البلد»، إذ يبدو وكأنه محاولة لتصفية الحسابات، ورغبة في تشويه صورة المحسوبين على الدين؛ فالزوج الذي هجرها (في الفيلم) مخادع، تظاهر بالورع والتقوى، وضمها إلى نسائه الأربع، وبعد أن أنجبت منه أربعة أولاد هجرها ليجاهد في أفغانستان والعراق، ولم يكن أمامها سوى أن تتسول ثم تبيع جسدها لتطعم أولادها (!) أما الشاب الملتحي «رفاعة» فهو محبوب بين الجميع، وميسور الحال، كونه يملك ورشة كبيرة ورثها عن والده، ويستطيع أن يبيعها بمبلغ ضخم، ومع هذا يسقط بسهولة في براثن «العميل الغامض» (منذر رياحنة) الذي يقنعه بأنه يعيش في مجتمع كافر وعفن، ويحرضه على أن يواجه الحرب الصليبية التي تُحاك ضد الإسلام (!) بينما يأخذ الهجوم على المتأسلمين شكلاً آخر من خلال شخصية «الشيخ ياسين» (سمير العصفوري) الذي يدعو الناس إلى التبرع بالمال لبناء مسجد وهمي!

المخرج محمد أبو سيف من ناحيته لم يكتف بالزيف والصنعة الصارخة في ديكور «وسط البلد»، وإنما واصل نهجه في توظيف الرمز السخيف المباشر، عبر الاستخدام المتكرر، والمستفز، للساعة المعلقة، واللوحات المرورية للسيارات للتعليق على الرؤى والمواقف، ما دعاه إلى الاستعانة بخمس عشرة لوحة تحمل حروف «ف ق ر، و غ د، ر ع ب، ب ي ع، س و ق، ج ن س، ق و ا د، ع ج ز، ط ف س، ز ا غ، ر ا ح، ف ج ر، ب ذ خ». ومع التكرار الذي فقد معناه، ورسالته، أصبح التوظيف عبئاً ثقيلاً على التجربة برمتها فضلاً عن ضجيج وزعيق أداء زينة، وافتعال حورية فرغلي، والاستعانة بموسيقى (حسين علي إسماعيل) تليق بفواجع الفيلم، الذي تدنى كثيراً في الحديث عن علاقة مثلية جنسية، وتعمد الحط من دور الصحافة!