مستقبل يومض بالشرر

نشر في 15-12-2014
آخر تحديث 15-12-2014 | 00:01
 فوزية شويش السالم منذ 6 سنوات التقيت بأستاذي الدكتور يحيى الجمل في مدينة كارلوفيفاري، ودار بيننا حوار متشعب، جزء منه يخص أوضاع الدول العربية والخليجية، وقال لي وقتها إن الكيانات الخليجية هشة، وهناك خوف كبير عليها ممن يطمعون بها، وأضاف أن مصر دولة قوية صلبة وقادرة على الوقوف في وجه مشاكلها.

كان ردي أن مصر تتهددها الزيادة المطردة في عدد سكانها، ولا توجد قوانين تحد منها وتحددها، ووجود حزام مدن الفقر المتمثل في مساكن العشوائيات الذي يطوق القاهرة ويستطيع أن يبتلعها في غمضة عين، وهو الأمر الذي حصل في ما بعد في ثورة 25 يناير، التي أطاحت بالرئيس مبارك في سرعة مذهلة، وأحدثت خسائر كبيرة في الممتلكات والمباني المصرية في لحظة الإطاحة التي شارك فيها سكان العشوائيات التي تحاصر مدينة القاهرة وتكاد تخنقها من كل الجهات، وما زال خطرها قائما حتى الآن، ولن يزول ما لم توضع قوانين قوية تحد وتحدد من الزيادة في النسل، كما تعمل على حل مشاكل الوضع الحالي بحزم.

تذكرت حواري مع الدكتور يحيى الجمل حين قرأت الرسالة الموجعة التي تركها مهاجر مصري شاب مات في رحلة بحث عن مستقبل لم يجده في بلاده، وخط آخر كلماته على علبة سجائر ممزقة خلفها على شاطئ إيطالي، رسم سهم كيوبيد يربط بين قلبين ورسالة محملة بالأخطاء الإملائية تقول: "إوعي تنسانى... بحبك قاوي... نفسي ما تنسي... سالم يا حبيبتي، كنت عاوز افضل معاكي، اوعي تنسيني بحبك قوي، نفسي ما تنسي، سلام يا خبيبيتي".

هذه الرسالة التي عثرت عليها المصورة الأميركية لينسي أداريو، وعرضتها على مترجم عربي، ثم أوصلتها إلى "نيويورك تايمز" التي وضعتها على صفحتها الأولى كمأساة لشاب مهاجر أهملت دولته في تعليمه وتوفير عمل وحياة كريمة له.

هذه واحدة من مآس تتكرر كل يوم لشباب لم يجدوا لقمة عيش كريمة تكفلها لهم أوطانهم، التي أهملت من البداية في وضع قوانين تحديد نسل حازمة تحميهم من مستقبل ليس فيه مكان لهم.

هذه الزيادات السكانية الهائلة المنفلتة بدون أي حسيب أو رقيب هي سبب كل مشاكل التخلف والفقر والانحطاط وارتفاع معدل الجهل والعنف والجريمة، وفي رأيي أن الزيادة السكانية هي السبب الأول في تدهور أوضاع الدول من كل الاتجاهات، زيادة السكان تأكل اليابس والأخضر، فأي موارد للدولة قادرة على أن تغطي الزيادة المستمرة على البنية التحتية والصحة والتعليم والإسكان وغيرها من احتياجات أخرى، ما لم تكن هناك قوانين ترشيد وضبط لعملية الزيادة السكانية، فمثلاً نجد في الدول الأوروبية عدد الزيادة في السكان يساوي عدد الوفيات، ما يبقي موارد الدولة دائما قادرة على توفير متطلبات الحياة الأساسية لشعوبها، بسبب قوانينها الذكية الصارمة المدروسة، فمتى تُدرك شعوبنا العربية التي تعاني بسبب هذه الزيادات الهائلة المتروكة على البركة؟

كنت في السابق أخجل من ذكر عدد سكان الكويت عندما أُسال عنه، وكنت أتمنى لو أننا نتمتع بعدد سكان يجعل لنا قيمة عددية تجاه الشعوب الأخرى، فمن المعلومات المتخلفة التي درسوها لنا في المدارس، خرافة تقول إن الزيادة السكانية هي ثروة قومية، وما نراه اليوم هو أنها كارثة قومية تأكل موارد الدولة كلها، ولا تمكنها من التقدم إلى الأمام بل إلى الخلف در.

اليوم باتت الكويت تعاني الكثافة السكانية التي يغلب عليها العمالة الوافدة، التي تتاجر بها مافيا بلادها وتصدرها إلى بلادنا عن طريق تاجر آخر يتاجر بها محليا، فهي في كل الأحوال باتت بضاعة يُتاجر بها من الجهتين، جهة وطنها الذي ضاق بالزيادة البشرية فصدرها كعملة تعود له بدخل، ووطن آخر استقبلها كبضاعة أصبحت تمثل زيادة سكانية تضغط على البنية التحتية فيه، وتشل الحياة في زيادة باتت تثقل مفاصل الدولة.

فكيف نهرب من مستقبل قد تتهاوى فيه كل خدمات الدولة وتصبح عاجزة عن توفير سبل الحياة الكريمة لعدد سكان أصبح أكبر من طاقات مواردها الاقتصادية؟ عندما تكون العمالة ذكية مبدعة منتجة تساعد على دوران عجلة اقتصاد الدولة، ولا تكون عالة عليها، وهو ما يحدث الآن في الكويت.

back to top