العراق: بطش الإرهاب يقرب بين الخصوم الطائفيين
الصدر يتقاسم «المال والمقاتلين» مع أهل الأنبار بعد مجازر «البونمر»
لايزال أهل المحافظات السنية ممتعضين من بطء حكومة بغداد في تسليح مقاتليهم، لكي يتمكنوا من الصمود في وجه محاولات «داعش» إحكام السيطرة على بلدات عديدة جنوب تكريت وغرب الأنبار، وهم يقولون بصراحة إن بغداد تمتنع عن تسليحهم وإسنادهم بشكل فعّال، لأنها ترتاب من القبائل السنية في جو استقطاب طائفي رهيب يسيطر على البلاد. كما أن بغداد ترفض بحدة أن يستعين سنة العراق بجيوش عربية أو أجنبية لاستعادة بلداتهم ومدنهم، وسط عجز الجيش العراقي عن حماية ما وراء حدود بغداد الشمالية والغربية.وهكذا وجد الأكراد والشيعة من يساندهم عبر حكومات وميليشيات وجيوش متطوعين عابرة للحدود، بينما بقي سنة العراق بلا سند، وهو ما ظهر بشكل فاقع في المجازر الأخيرة التي قام بها «داعش» بحق أبناء قبيلة البونمر، أبرز التشكيلات المحلية التي وقفت في وجه «دولة الخلافة» في الأنبار، حيث تسبب نفاد ذخيرتهم في تفوق «داعش» وسقوط قرى كثيرة، تبع ذلك عمليات إعدام شملت المئات، وفق بيان نادر صدر من مجلس الأمن الأسبوع الماضي، دان المذابح وطالب بغداد والتحالف الذي تتصدره أميركا، بتحرك عاجل.
لكن المذابح الدامية كما يبدو، نجحت في تحريك الجمود الشيعي تجاه مقاتلي العشائر السنية، وأخرجت بعض زعماء الشيعة من ترددهم وشكوكهم، ولو بشكل نسبي. فقد بدأ الأمر بلقاء هو الأول من نوعه منذ سقوط الموصل في يونيو الماضي، جمع بين وجهاء وساسة من الأنبار، ورجل الدين مقتدى الصدر في النجف، وطرحت فيه كل الشكوك على طاولة النقاش، وسجل السّنة ملاحظاتهم على أخطاء ارتكبتها الميليشيات، مطالبين بتصحيحها بنحو يمهد لتعاون بين عشائر السنة وما يعرف بالمتطوعين الشيعة في تشكيلات الحشد الشعبي، وهو خليط من مسلحين يتبعون الأحزاب الشيعية وبعض الميليشيات. وإذا كان السّنة مرتابين من منظمة بدر وعصائب أهل الحق القريبتين من إيران، فإنهم يعتقدون بوجود فرصة للتعاون مع شخص رئيس الحكومة حيدر العبادي، وكل من مقتدى الصدر وعمار الحكيم، اللذين يمتلكان نحو 70 نائباً في البرلمان، ومقاتلين بالآلاف، ويدعمان جهود العبادي في إبرام تسويات تصالحية مع السّنة.نواب عن الرمادي والموصل تحدثوا خلال اليومين الماضيين عن شعورهم بالرضا حيال اللقاء مع الصدر، قائلين إنه أبدى استعداده «لتقاسم المال والسلاح والرجال» مع العشائر السنية التي تذبح، وممارسة كتلته كل الضغوط المطلوبة على الأحزاب الشيعية كي يتبلور موقف حكومي أكثر فاعلية في دعم أهل الأنبار وتكريت والموصل، الأمر الذي يعتبر أوضح موقف شيعي صدر حتى الآن في هذا الاتجاه، وهو ما حصل بموازاة كلمة مهمة أطلقها مكتب المرجع الديني الأعلى علي السيستاني قبل أيام، داعياً إلى «مساندة عاجلة» للعشائر التي يذبحها تنظيم «داعش».مجمل هذه التحركات شجع كما يبدو رئيس الحكومة على عقد لقاءات مهمة في بغداد والعاصمة الأردنية، مع رجال دين وزعماء قبليين سنة، للتفاهم حول تنسيق المعارك، كما دفعه إلى لقاء وصف بالمتأخر مع محافظ نينوى أثيل النجيفي، الذي يحاول تجميع شتات الشرطة الهاربين من نينوى لتشكيل «قوات تحرير الموصل».ويرى المطلعون أن هذا التقارب الشيعي- السني الذي يجري تسريعه على وقع مذابح «داعش» في الأنبار ونينوى، يلبي شرطاً أساسياً تطرحه واشنطن على بغداد بوضوح، قائلة: إن مبادرة العبادي لتسليح السنة وإسنادهم شرط أكيد لزيادة المساعدات الغربية لبغداد في حربها ضد الإرهاب، وإن وساطات أميركية من العيار الثقيل تتحرك داخل شبكة معقدة من الساسة والمحاربين وأمراء القبائل والطوائف، لتنشئ مناخ تنسيق متماسك يستحق أن يحظى بالدعم، وأن يتمخض عن صفقة تسوية سياسية تضمن للسنة إدارة لامركزية لمناطقهم، من شأنها أن تضع حداً لشكوى التهميش والاضطهاد السياسي.