تحدثنا في المقال الماضي عن قوم ثمود ونبيهم صالح عليه السلام، وأشرنا إلى موقعهم بالقرب من مدينة العلا في شمال السعودية. وقد طلب مني العم داود حمد الخراز، أطال الله في عمره، أن أستمر في الحديث عن هذه القصة العجيبة. واستجابة لطلبه أقول إن قصة قوم ثمود أقرب إلى الخيال، ولولا أن الله تعالى سطرها لنا بتفاصيلها في كتابه الكريم، لكان التصديق بها والتسليم بما ورد فيها من تفاصيل أمراً صعباً على الكثير من الناس.
إن قصة قوم ثمود تتكرر في كل الأزمان والأوقات بشكل أو بآخر، ورغم مرور آلاف السنين، ووقوع آلاف التجارب والقصص المشابهة، فإن الكثير من خلق الله مازال مستمراً في الاعتراض على قدرة الله تعالى، رافضاً الانقياد لتعاليم الخالق، ويظن أن عقله المخلوق يفهم أكثر من الخالق، ويستطيع أن يضع لنفسه منهج الحياة الذي يصلح له ولغيره. يقول تعالى في سورة النمل: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ*" نعم فريقان مختلفان أحدهما مؤمن بالنبي المرسل لهم من الله تعالى، والآخر كافر به رافض تصديقه. وهنا قال لهم نبيهم صالح "يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ*" لم يطلب منهم الكثير، بل دعاهم إلى الاستغفار وممارسة السلوك الحسن، لكنهم شككوا فيه وطعنوا برسالته "قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ*" فاجتمعوا للتآمر عليه واتفقوا على خطة معينة، "وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ*". وفيما هم يمكرون، كان الله تعالى لهم بالمرصاد "فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" (النمل: 45-53).وفي سورة القمر يشير ربنا جل وعلا إلى قوم ثمود مرة أخرى فيقول عنهم: "كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ * إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ * فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر" (القمر: 23-32).لقد كانت صيحة واحدة كفيلة بالقضاء على قوم بأكملهم وإنهاء تاريخ شعب من الشعوب في حقبة من حقب الزمان. ونجى الله تعالى نبيه صالح ومجموعة من المؤمنين به، يقال إنهم توجهوا إلى حضرموت التي توفي فيها صالح وتم دفنه هناك (والله أعلم). ذكر العلامة الألوسي في تفسيره أن صالحاً عليه السلام انتقل إلى بئر في حضرموت مع أربعة آلاف نفر ممن آمن به، وسميت حضرموت بهذا الاسم لأن صالحاً حين نزل بها مات، وعند البئر بلدة اسمها "حاضورا" بناها قوم صالح وأميرهم جلهس بن جلاس، ثم كفروا وعبدوا صنماً، فأرسل الله تعالى إليهم حنظلة بن صفوان نبياً فقتلوه فأهلكهم الله تعالى عن آخرهم، وعطل بئرهم ودمر قصرهم.والقصص القرآني كثير وتفاصيله موثقة بالكامل كقصة نوح عليه السلام، وقصة إبراهيم عليه السلام، وقصة قوم عاد، وقصة قوم فرعون، وقصة نبي الله يوسف عليه السلام، وغيرها من القصص، كلها أحداث حقيقية وقعت قبل آلاف السنين، قصها الله سبحانه علينا لكي يؤكد لنا أن العاقبة للمؤمنين وأن الله لن يتأخر عن إلحاق العذاب والانتقام بالكافرين والمعاندين. قال تعالى "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ".
أخر كلام
صورة لها تاريخ : نبي الله صالح ترك قومه واتجه إلى حضرموت وتوفي فيها
22-05-2015