ربما من موقع الحرص والخوف على الأردن ذهب البعض، بعض الأصدقاء بالطبع، إلى الاعتقاد، بعد الاعتقالات الأخيرة التي نفذتها الأجهزة الأردنية ضد بعض منتسبي "السلفية الجهادية" وغيرهم، أنَّ "داعش" قد وصل إلى هذا البلد، وأن طرق هذا التنظيم إلى المملكة الأردنية الهاشمية أصبحت مفتوحة عبر الحدود السورية والحدود العراقية، وهذا بالطبع لا أساس له من الصحة.

Ad

والحقيقة أن الأردن كان قد أعلن حالة الاستنفار القصوى منذ انفجار الأزمة السورية في مارس 2011 وقبل ذلك، فحدوده، خصوصاً مع سورية، بقيت تتعرض لمحاولات التسرب الإرهابية من "القاعدة"، ومن "حزب الله"، ولاحقاً من الميليشيات الطائفية التي جاءت إلى سورية من العراق في إطار خطة إيرانية معروفة، وبالتنسيق والتعاون مع مخابرات نظام بشار الأسد واستخباراته.

ولعلَّ ما لا يجوز استغرابه أنَّ دولة، أصبحت في قلب العاصفة، وغدت "مزنرة" بالقنابل المتفجرة والموقوتة من الشمال والشرق، كالمملكة الأردنية الهاشمية، لابد أن تكون عيناها مفتوحتين، حتى وهي نائمة، فأي "غفلة"، وأوضاع المنطقة هي هذه الأوضاع الملتهبة المرعبة، قد تؤدي إلى كارثة فعلية... وعلى غرار ما تم في 2005 عندما استغل "القاعدة"، بقيادة أبومصعب الزرقاوي، حالة الاسترخاء التي كان يعيشها الأردن وضرب ثلاثة فنادق بالعاصمة عمان، أدت إلى مقتل أكثر من ستين شخصاً، وجرح العشرات، بالإضافة إلى التدمير المرعب الذي حل بهذه الفنادق.

وهكذا، فقد بقي الأردن منذ 2005 يعيش حالة استنفار قصوى لم تنعكس بالطبع على الحياة اليومية، لا للمواطنين الأردنيين ولا لزوار المملكة الأردنية الهاشمية، وبعد انفجار الأزمة السورية، حيث كانت هناك ترجمة يومية لتهديدات بشار الأسد بأن الفوضى التي غدت تعيشها سورية ستنتقل إلى الدول المجاورة، فقد أصبح على هذا البلد، بعدما بات الاستهداف يومياً وفي كل ساعة لحدوده، أن يتابع كل شيء متابعة دقيقة، وأن يضاعف الجهود الأمنية التي تبذلها أجهزته، وتبذلها قواته المسلحة على مدار الساعة.

كانت آخر محاولة لاختراق الحدود الأردنية مع سورية قبل حملة الاعتقالات الأخيرة، التي شملت العشرات من منتسبي "السلفية الجهادية"، وبعض المشكوك في أنهم من المعجبين بـ"داعش" وبـ"القاعدة"، بثلاثة أيام فقط، وهنا يمكن التأكيد أنه لا توجد في الأردن أي خلايا تنظيمية فعلية لهذين التنظيمين، وأنَّ كل المحاولات التي جرت في هذا الاتجاه، كلها محاولات خارجية، قد باءت بالفشل، وأن الأجهزة الأمنية في هذا البلد مسيطرة سيطرة تامة على كل شيء.

إنه لا وجود لـ"داعش" في الأردن، وقد تم القضاء على بعض بؤر "القاعدة" في وقت مبكر، والمعروف أنه لا وجود لـ"داعش" تحديداً إلا في ظل غياب الدولة كما في سورية والعراق، وأيضاً إلا في ظل انهيار القوات المسلحة والأجهزة الأمنية كما في هذين البلدين، ولهذا، مرة أخرى، فإنَّه لا وجود لهذا التنظيم ولا لغيره من التنظيمات الإرهابية، كخلايا منظمة أو كشبكات سرية في هذا البلد، فالقوات المسلحة الأردنية، المعروفة باقتدارها وتفوقها ومهنيتها، لها السيطرة الكاملة على الحدود وفي الداخل، كما أن الأجهزة الأمنية الأردنية حاضرة حضوراً كاملاً في كل "سنتيمتر مربع"، بل وتقوم بالعديد من المهام الاستراتيجية في الخارج من قبيل الذهاب إلى الذئاب في أوكارها البعيدة لمنعها من التوجه إلى الأردن والاقتراب من حدوده!.