«الرمادي» التي ذبحها «القاعدة» والمالكي و«داعش»
لا يتردد كثير من الساسة العراقيين اليوم في القول إن احتلال "داعش" لعشرات المدن كان فضيحة سياسية عكست تشرذم القادة والاحزاب وانقسامهم. لكن المعلقين المحليين يذهبون اليوم الى اكثر من ذلك، قائلين إن تلك الفضيحة استمرت حتى هذه اللحظة، الى درجة ان الرمادي هي المدينة الوحيدة التي قاومت داعش ولم تسقط بيديه، لكنها باتت تقريبا بين يدي التنظيم المتطرف الآن، بسبب استمرار الانقسام الرهيب حول الصلاحيات الامنية والسياسية في المحافظات التي يقطنها سنّة العراق.وفي عبارة تختصر الكثير، يقول سنة العراق: "نحن نفضل بقاء داعش، على ألا تدخل الى مدننا ميليشيات ترفع صور زعماء إيرانيين، وتجعل الأمر يبدو وكأن ايران هي التي خلصتنا من داعش".
لكن الكثير من الشيعة يرددون ايضا: "نحن نفضل سقوط الرمادي بيد داعش، على ان نقوم بمنح السنة صلاحيات سياسية وتسليحا يجعل منهم قوة شبه مستقلة عن بغداد، تكون على غرار كردستان وتمتلك بيشمركة سنية". ولا توجد هدية يفرح بها "داعش" أكثر من هذا "الاتفاق" المضمر بين الشيعة والسنة، الذي ينتج عن خلاف عميق حول الادارة.ونتيجة لهذه الخلافات المبكرة بعد سقوط صدام حسين، فإن العشائر والمجتمع المحلي في الانبار تعرض للذبح في ثلاث جولات. الاولى حين توسع نفوذ تنظيم القاعدة أواخر عام ٢٠٠٤، وبدأ يقوم بإخضاع الوجهاء والعوائل المتنفذة، فقام بتصفية كل من عارضه، وجعل الاهالي يلتجئون للعمل مع الاميركان لطرد تنظيم القاعدة، وهو ما انجز بشكل مثير للاعجاب بين ٢٠٠٧ و٢٠٠٩، وأنتج استقرارا امنيا مقبولا في وسط البلاد.لكن خروج الاميركيين منذ ٢٠١١، اتاح لرئيس الحكومة السابق نوري المالكي التعامل مع المسلحين السنة الذين طردوا القاعدة، بقسوة، إذ ادرك ان بقاء دورهم الامني وحمايتهم لمدنهم، سيمنحهم قوة سياسية وستمنع بغداد "الشيعية" من إخضاعهم لسلطتها المركزية. ولم ينصت المالكي لنصائح الاميركيين بهذا الشأن، فبدأ يقطع مرتبات المتطوعين ويلاحق قادتهم بمذكرات اعتقال، ووصل الامر الى محاولة تصفية رافع العيساوي وزير المال الاسبق، وهو ابرز سياسي انباري تعاون مع واشنطن لطرد القاعدة.ومع ذلك فإن المقاتلين السنة المخذولين من بغداد، لم يلقوا السلاح في وجه "داعش" في الرمادي، وهم يكافحون منذ شهور لحماية مدنهم، وقد تعرضوا للذبح غرب المحافظة وشرقها، على يد التنظيم المتطرف، دون أن يثيروا ما يكفي من "الشفقة" لدى بغداد، التي يقال إنها تخضع لضغط إيراني يمنعها من تسليح السنة بما يكفي لحماية مدنهم، وسط عجز الجيش الحكومي عن ذلك، ورفض لجعل معركة الأنبار، مناسبة لدخول الحشد الشعبي الشيعي الذي أنفقت عليه الحكومة بسخاء، وصار أفضل تسليحا من الجيش نفسه، حسب الكثير من كبار الضباط.