{ولدت لأكون نحاتاً}، يؤكد آدم حنين في لقائة مع {الجريدة}، فقد عرف النحت ومارسه وعمره عشر سنوات عندما قام بزيارة مع مدرس التاريخ إلى المتحف المصري، شعر أنه في العالم الخاص به والذي لا بديل عنه، بدأ يتعلَّم ويدرس النحت.
تتنوَّع الأعمال الفنية في متحف آدم حنين ما بين نحت وتصوير ورسم، فسمة الفنان التنوع. يضمّ المتحف المكون من ثلاثة أدوار، أركاناً عدة، كل ركن يحكي شيئاً مختلفاً عن الآخر، يضم أول تمثال من الخشب له لفتاة جميلة، حيث كان مشروع التخرج الخاص به في الخمسينيات وصولاً إلى أعماله الأخيرة التي قدمها منذ أشهر في قاعة آفق في قطاع الفنون التشكيلية.نجد جانباً ممتلئاً بالوجوه أطلق عليه قاعة شهود، ورغم أن كثيراً من الفنانين قدموا وجوهاً عدة فإن وجوه حنين مختلفة عنها، حيث يبحث خلف الوجوه وداخلها، تلك التي تظهر الذات.اختار ورق البردي لرسم الوجوه، ليؤكد حنين أن البردي هو من اختار الوجوه. تضم القاعة 130 وجهاً باسم شهود، قدمهم كشاهدين على العصر الذي نحياه، انفعالات مختلفة، حالات متباينة.يقول حنين أنه يعرض لحالات لا ملامح، ويتسأل: {كيف أركّز على وجه شخص محكوم عليه بالإعدام على سبيل المثال، فما يشغلني في ذلك الوقت ملامحه وحالته الداخلية}.يضم المتحف ركناً خاصاً بصور لرباعيات جاهين صديقه وزميله في مؤسسة {روزاليوسف}، عندما كان حنين يعمل فيها، كذلك تجد فيه ركناً خاصاً بمهندس الديكور صلاح مرعي والذي تحمل إحدى القاعات اسمه، إضافة إلى تمثال لأم كلثوم باللون الأبيض يسطع داخل المتحف وآخر باللون الرمادي، وأربعة جنود يؤدون التحية، الصليب، نموذجين لحارس الأفق باللونين الأبيض والرمادي، تماثيل عدة للمرأة، ناهيك بلوحات بخامات مختلفة قدمها الفنان على مدار الرحلة.يطلّ المتحف على الحديقة المفتوحة والتي تحوي أعمالاً بأحجام مختلفة لعل أبرزها مركبة كبيرة من الغرانيت نحت على أحد جوانبها الفنان اسم زوجته الراحلة {عفاف} لتبدو كأحد مراكب الشمس الفرعونية تحمل الزوجة إلى الجانب الآخر.حرص حنين على أن يجسد جميع معالم الحياة سواء بالنحت أو التصوير أو الرسم، مؤكداً على تمسكه بطابعه الفني. يقول: {إذا كان من الممكن أن تتغيَّر بصمة الإنسان فسيتغيَّر طابعه الفني. تعلَّمت أموراً كثيرة في الرحلة الطويلة، لكن ما هو ممتد معي من البداية هو اهتمامي بالرؤية المصرية بحيث تكون رؤيتي وبصيرتي مصريتين خالصتين، فبعد دراستي لخمس سنوات في كلية الفنون لم يكن أمامي مثل أعلى على قيد الحياة، فمحمود مختار الذي أحبه كان قد رحل والموجودون في ذلك الوقت كانوا يعملون تقليداً غير مستساغ لمختار، فأحدث هذا لدي نوعاً من التمرد وأثار داخلي أسئلة عما أريد أن أكونه، هل سأكون كالمصريين القدماء أم كالأوروبيين؟ لا بد من أن تكون لي رؤية آدم حنين المولود في باب الشعرية، والذي يعرف الفن المصري القديم جيداً، كذلك الأوروبي المعاصر والقديم ويحبه لكن لا ينتمي إليه. كان الفن المصري القديم يهز روحي وجسدي ويأخذني إلى أماكن بعيدة، وسألت نفسي: ماذا تبقى من الحضارة المصرية، وكنت أتأمل لابسي الجلابيب وبائعات الجبن وحاملات الجرار والمفردات المصرية كالطبلية والساقية والقادوس وترباس الباب وفرن الخبيز، والأشكال كافة التي أنتمي إليها لأخرج بنظرة مصرية خاصة بي وبالواقع الذي أعيشه}. يتابع: {وبعد نكسة 1967 بنيت هذا البيت في الحرانية وكنت أنام في الحديقة على الحشائش وأترك نفسي للطبيعة فأجد حشرات صغيرة وحبوباً وأوراق شجر وألواناً، وفي الشمس والدفء استسلم للصمت وأسمع صوت الهواء والطيور فيمتلئ خيالي ويمتزج بالطبيعة}.في الأدوار الثلاثة للمتحف والحديقة المفتوحة يعرض حنين تجربته الكاملة ورغم ذلك لا يزال لديه الكثير الذي لا يستوعبه المكان ولكنه حاول أن تظهر المعروضات المختارة ملامح تجربته.آدم حنين كاهن النحت يرى أن النحت أب روحي لجميع الفنون، لن يتأثر مطلقاً حتى مع ظهور كثير من الوسائط والفنون الجديدة، يقولها بثقة وحزم شديد، النحت هو أبو الفنون كافة الروحي، يبدأ من كون النحات يمسك القلم الرصاص ليضع الفكرة على الورق، إذاً هو رسام، ثانياً يبدأ كي يضع البارز والغائر فيضع لمسات بالقلم الرصاص تصنع ظلاً ونوراً إذاً هو مصور، ثالثاً يفكر في لون تمثاله، وربما يستعمل الطباشير، الباستيل أو الحبر الصيني أو الإكواريل إذاً هو يتحوَّل النحات مع فروع الفن التشكيلي، يصعد إليها خطوة بخطوة إلى أن يمسك الأزميل ويترك القلم.ويوضح حنين أنه مع ارتباطه الشديد بشغله لا يستطيع أن يرتبط بالفنون الحديثة هذه بل يستغربها جداً، وليس لديه الوقت كي يتفهمها، كذلك هي بعيدة عن القواعد التي بنى عليها أسلوبه وطريقته، مضيفاً أنها {دخلت في دور العولمة التي لا أحبها، نحن أناس لنا حضارة وتاريخ، والعولمة تريد أن تفقدنا حضارتنا ونصبح مثل بلد بدأ منذ عقود عدة، في حين بدأنا منذ آلاف السنين، محاولة لطمس الفنون الرفيعة الأصيلة، وأرى أن كل ما يسمى بالفيديو آرت والأنستاليشن إلى آخره لا يعُد تشكيلا، فالفرق كبير بين التشكيل والبصري}.يتذكر حنين أحد معارضه عام 1966 للنحت، وكيف وقف يدون تعليقات الجمهور ويرصد كيفية انجذابهم إلى العمل، مشيراً إلى تعلق المصريين بالنحت، ويؤكد: {على الرغم من كون النحت فناً صعباً فإنه دخل حياتنا باعتباره متصلا بجميع الأشياء. أفادتني تعليقات الجمهور جداً}.وعن الفرق بين المعرض الأول الذي قدمه حنين في الخمسينيات في جمعية الصداقة الفرنسية ومعرضه الأخير في قاعة أفق العام الماضي يقول: {الخط هو نفسه، لم يتغير، لكن التناول اختلف مع الخبرة واكتساب تجارب جديدة. لكن البصمة واحدة فمن الصعب أن يغير الفنان الصادق بصمته، والموضوع يتوقف على مفردات العصر والظروف والحداثة ومفرداتها التي تعطينا خبرات جديدة}.
توابل - ثقافات
متحف آدم حنين يروي رحلة نصف قرن من التشكيل
30-12-2014