مرافعة: سوء السمعة!
في الوقت الذي انتهى فيه قضاء المحكمة الدستورية في الطعن «رقم 8 لسنة 2008 دستوري» المقام من النائب المبطل محمد الجويهل على قرار حرمانه خوضَ العملية الانتخابية حينها، من وضع شرط حسن السمعة كشرط مفترض تحققه فيمن يتقدم للترشح للمناصب النيابية، ومن بينها الترشح لعضوية مجلس الأمة، فإن قضاء «الدستورية» في العديد من الطعون اللاحقة على الكثير من المرشحين لم يتصدَّ إلى تفعيل هذا الشرط، ولكن من قام بتفعيله هي محاكم القضاء الإداري فيما بعد على المرشحين الذين منعتهم وزارة الداخلية من خوض العملية الانتخابية.كنت أتمنى أن تتوسع المحكمة الدستورية في بسط رقابتها على الشروط الواجب توافرها في أعضاء مجلس الأمة، على اعتبار أن الطعون التي تقام أمامها بعد إعلان فوز النواب الـ50، لكنها على ما يبدو تركت أمر حسم سلامة شروط الترشح، ومن بينها شرط حسن السمعة، للقضاء الإداري الذي يسبق بالتأكيد بدء العملية الانتخابية، دون أن تتوسع في بحث شرط حسن السمعة على الفائزين بعضوية مجلس الأمة رغم أنها تملك ذلك وفق قانون إنشائها.
وإزاء عدم تصدي المحكمة الدستورية، معتمدة في ذلك ما قررته في حكمها الصادر في الطعن رقم 8 لسنة 2008، وحسما لاجتهادات القضاء في تفسير شرط حسن السمعة، وعما إذا كان شرطاً مفترضاً بواقع الصحيفة الجنائية للمتقدم للترشيح أو الفائز بعضوية مجلس الأمة، فإنه يتعين على مجلس الأمة تعديل قانون الانتخاب والنص على شرط حسن السمعة بقدر من الوضوح والدقة. فمن غير المقبول عقلاً ولا منطقاً أن يمثل الأمة السيئ فيها بعضوية المجالس النيابية ولا حتى المعروف عن صحيفته الجنائية سوى السوء وتكرار الجرائم، ومع ذلك يسمح له التشريع والرقابة باسم الأمة بسبب قصور قانوني دام أكثر من 40 عاماً.أي رقابة تلك وأي تشريع هذا الذي سيمارسه صاحب سوابق جنائية اعتاد ارتكاب العشرات من الجرائم قبل عضويته، بل جعل من العضوية درعاً للاحتماء بحصانته البرلمانية، ويتمسك بها باسم الكيدية التي قصدها المشرع من الشكاوى التي قد تقيمها الحكومة أو إحدى وزاراتها ضد النائب؟!نحن بحاجة إلى قانون انتخاب حقيقي ينهض بالعملية الديمقراطية وينميها ويرفع من قدرها، نريد قوانين توضح ماهية شرط حسن السمعة، وما هي الجرائم المخلة بالشرف والأمانة، وما هي الجرائم التي يحرم من خلالها الشخص من الترشح، بل ومن الانتخاب على سبيل الحصر، حتى لا يترك للسلطة التنفيذية أمر شطب أي من المرشحين، وحتى لا يترك للقضاء التفسير الذي قد يقود إلى تضارب الأحكام الصادرة في الحالة المعروضة.