«قاطرة التنمية»... مَن يقود مَن؟!
أخذت الخطة الحالية، كما سابقتها، بالتخطيط الجزئي أو ما يسمى «التأشيري» الذي يركز على تسهيل بيئة الأعمال الخاصة، وتطوير أساليب العمل وإجراءاته من أجل تسهيل حركة القطاع الخاص وسرعة تحقيقه للأرباح وتضخيمها، بينما تم تجاهل التخطيط الشامل الذي يحقق التنمية الإنسانية المستدامة.
العام الماضي انتهت الخطة الإنمائية السابقة التي بدأت عام 2010، حيث اعترفت الحكومة بفشلها في تحقيق الأهداف التي كانت تطمح إلى تحقيقها، والآن، بعد مضي عام كامل على انتهائها، قدمت الحكومة خطة إنمائية جديدة للأعوام (2015/2016- 2019/2020)، فهل من المتوقع أن تحقق الخطة الجديدة تنمية حقيقية؟!الجواب بالنفي، فمن غير المتوقع أن تكون هنالك تنمية شاملة ومستدامة في الخطة الجديدة، وذلك لأن خطط الحكومة حتى عام 2035 تتبنى، كما ذكرنا في مقال سابق، النهج الاقتصادي النيوليبرالي الذي يعطي الأولوية والأهمية القصوى لاقتصاد السوق، حيث يبالغ في دور القطاع الخاص، فيدعو، كما هو واضح في خطة الحكومة، إلى الخصخصة، وتحرير الأسواق، أي رفع الضوابط على الأسعار وعلى توظيف العمالة الوطنية، وفرض ضرائب على المبيعات ورسوم جديدة مع إلغاء بنود الدعم الاجتماعي وتقليص شبكة الضمان الاجتماعي، بينما يتم العمل تدريجياً على تقليص أو تصفية النشاط الاقتصادي للدولة، وذلك بتحويل دورها من تلبية الحاجات الأساسية والضرورية للناس (أو ما يُسمى دولة الرفاه الاجتماعي) إلى مجرد "مُنظّم" أو "حارس" للملكية الخاصة.
لهذا فقد أخذت الخطة الحالية، كما سابقتها، بالتخطيط الجزئي أو ما يسمى "التأشيري" الذي يركز على تسهيل بيئة الأعمال الخاصة، وتطوير أساليب العمل وإجراءاته من أجل تسهيل حركة القطاع الخاص وسرعة تحقيقه للأرباح وتضخيمها، بينما تم تجاهل التخطيط الشامل الذي يحقق التنمية الإنسانية المستدامة المتعارف عليها دولياً بأنها تستهدف تحسين مستوى معيشة الإنسان مادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً وبيئياً، وتعزز منظومة القيم الإيجابية من دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.على هذا الأساس، من المتوقع أن تلقى الخطة الإنمائية الجديدة مصير سابقتها وهوالفشل، وذلك لثلاثة أسباب على الأقل، أولها أن الظروف والمعطيات التي أدت إلى فشل الخطة السابقة باقية كما هي إن لم تزددْ سوءاً، وبالذات ارتفاع معدل الفساد السياسي المؤسسي الذي ينعكس مباشرة على أداء الإدارة العامة وعلى خطط التنمية الشاملة، حيث لا تنمية مع الفساد المؤسسي، والسبب الثاني أن السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تبنتها الدول الرأسمالية الصناعية ذات الاقتصاد الإنتاجي في منتصف سبعينيات القرن المنقضي لمعالجة أزماتها الدورية ثبت فشلها الذريع، مما أفضى إلى الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، والتي مازالت مستمرة حتى هذه اللحظة.أما السبب الثالث فيتعلق بطبيعة القطاع الخاص المحلي، إذ بافتراض أن السياسات النيوليبرالية مازالت ناجحة، فإنها تقوم على أساس أن هناك اقتصاداً صناعياً إنتاجياً، وسوقاً واسعاً وقطاعاً خاصاً منتجاً يعتمد على إمكانياته الخاصة، ويتحمل مخاطر المغامرة، وتبعات قراراته الاستثمارية، ثم يساهم في دعم الميزانية العامة للدولة من خلال دفع ضرائب تصاعدية على الدخل والأرباح وخلق فرصة وظيفية للعمالة الوطنية، وهذه جميعها معطيات غير متوافرة لدينا، فاقتصادنا ريعي، والسوق محدود، والقطاع الخاص المحلي ضعيف جداً وطفيلي يعتمد بشكل كبير جداً على الإنفاق العام والتسهيلات الحكومية، حتى في عملية توظيف العمالة الوطنية، بل إنه يطالب دائماً بتدخل الدولة، أي استخدام المال العام إما من أجل تعظيم أرباحه أو من أجل إنقاذه من الإفلاس، فكيف، يا ترى، سيكون بمقدور القطاع الخاص "قيادة قاطرة التنمية" كما ورد في خطط الحكومة؟!