في عام 2009 أعلن منيب شافعي وقت أن كان رئيساً لغرفة صناعة السينما توصله إلى اتفاق مع رئيس مصلحة الضرائب العقارية، ورئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية، الذي تتبعه مأموريات ضرائب الملاهي في مصر، يتم بمقتضاه تزويد غرفة صناعة السينما بالإيرادات الحقيقية الخاصة بضرائب الملاهي، لإيقاف العبث المتمثل في قيام شركات الإنتاج والتوزيع بإعلان بيانات وهمية لإيرادات الأفلام «كلٌ حسب هواه، وبما يخدم مصالحه»!

Ad

يومها أقيمت الأفراح والليالي الملاح، واحتفت الغرفة بما سُمي «الاتفاق العظيم»، الذي يعني في حال تفعيله، وضع قاعدة بيانات دقيقة لإيرادات السينما المصرية، تُسهم في تصويب مسار الصناعة، وتوقف كل أشكال التلاعب والتحايل، مثلما تضع حداً للتضارب، وعدم الشفافية، والجهل الذي يدفع شركات الإنتاج والتوزيع إلى التباهي بأرقام مزيفة ترفع من أسهمها في السوق من دون التبصر بالعواقب الوخيمة التي تجنيها صناعة السينما، جراء الإيرادات الوهمية المُعلنة، متمثلة في ارتفاع أجور الممثلين وتكريس الكثير من الأوضاع الخاطئة، وغياب الإحصاءات الدقيقة، ومن ثم افتقاد النقاد والباحثين قاعدة البيانات والمعلومات التي تساعدهم في البحث والتحليل ورصد الظواهر!

اليوم، وبعد ست سنوات من الحديث عن الاتفاق سالف الذكر تبين أنه لم يكن سوى «إعلان نوايا»، بدليل أن تلك السنوات شهدت تعاقب ثلاثة أشخاص على رئاسة الغرفة هم: منيب شافعي، محمد حسن رمزي وفاروق صبري، ورغم هذا ما زالت الحقائق غائبة، والعلاقة بين الغرفة ووزارة المالية متوترة، والتضارب في إيرادات الأفلام قائم، والبحث مستمر عن الجهة المنوط بها إصدار البيانات الصائبة المعتمدة، فالغرفة تُلقي بالكرة في ملعب الضرائب، ووزارة المالية لا ترد على طلبات القيمين على الغرفة، وتمتنع عن موافاتهم بالأرقام الصحيحة، التي تملكها بالفعل من واقع سجلاتها الرسمية، وشركات الإنتاج والتوزيع  سادرة في غيها تتلاعب بالأرقام، وتسوق للرأي العام إيرادات منافية للحقيقة التي ينطق بها الواقع. ومن ثم تروج لأكاذيب لا تنتهي عن وضع مستقر لا وجود له إلا في خيال أصحابها!

ينص قانون «غرفة صناعة السينما» الصادر تحت رقم 203 لسنة 1972 على أن «الغرض الأساسي من إنشائها هو رعاية مصالح أعضائها، والنهوض بالصناعة ورقيها وتقدمها، وحماية تداول الأفلام المصرية بالداخل والخارج وإصدار الشهادات اللازمة، وتنظيم العروض السينمائية بما في ذلك الفيديو والأقمار الصناعية، وفض المنازعات التي تنشأ بين الأعضاء، والتدخل لدى السلطات لتذليل العقبات التي تعوق الصناعة». لكن الغرفة التي تضطلع بكل هذه المهام، على الورق، فشلت فشلاً ذريعاً في احتواء أزمة الإيرادات المحتدمة منذ زمن طويل لأسباب تبدو غامضة بشكل كبير، وعندما أرادت أن تنفض عن كاهلها غبار العجز، وركام السلبية، تورطت في أزمة بسبب ما قيل عن بيانات مغلوطة، أصدرتها في توقيت سابق، وصبت في صالح شركات إنتاج وتوزيع على حساب أخرى، وانتهى الأمر بتأكيد عدد من مسؤوليها أن الغرفة لن تُقدم على إصدار بيانات جديدة بشأن الإيرادات التي تحققها الأفلام في صالات العرض، بمعنى أنها تنفي عن نفسها مسؤولية هي من صميم عملها!

المثير أن جدار الثقة الذي شيده النقاد والمراقبون، في أعقاب الإيرادات الكبيرة التي حققتها السينما المصرية في موسمي عيد الفطر وعيد الأضحى، انهار وتصدع بعد تسريبات صحافية تقول إن الغرفة ترتاب في الأرقام التي تم الترويج لها حينذاك، وتراها كاذبة وغير دقيقة، وليس لها أساس على أرض الواقع، وهو الأمر الذي ينسحب على ما يجري الآن في موسم الربيع، حيث استمر مسلسل التلاعب من المنتجين، ودس المعلومات المغلوطة من جانب الموزعين، وانبرى كل صاحب مصلحة للتأكيد أن فيلمه حقق الإيرادات الأعلى، عبر الإعلان عن أرقام تبدو وهمية، ولا تخلو من مبالغة، حول الفيلم الذي تصدر والآخر الذي تذيل. وضاعت الحقيقة في ظل إصرار الغرفة على الصمت، وكأنها تؤجج الفتنة، وتشيع الفوضى، ووزارة المالية التي تُصر على حجب المعلومات، وتجاهل مبدأ الشفافية، بينما انتهز عدد من الممثلين فرصة الأجواء الملبدة بالغيوم، والمليئة بالأخطاء، وأدلوا بتصريحات صحافية زعموا من خلالها، أو توهموا، أنهم «نجوم الشباك» الجدد، ومن حقهم تقاضي أجور أكبر!

إنه العبث الذي ليس له مثيل في العالم، ففي مقدور أي شخص هناك، وبكبسة زرّ بسيطة، أن يحصل على أدق المعلومات، والوثائق، من دون أن تُمارس عليه ضغوطات من أية جهة أو يخضع لابتزاز من أي نوع. بل إن دساتير الدول تكفل للمواطن توفير الضمانات التي تتيح له، بفضل إعمال مبدأ الشفافية، ومنع الاحتكار، الدخول في مغامرات محسوبة تخدم مصالحه من دون الإضرار بالمصلحة العامة للمواطن وللدولة، ومن دون التورط في «صناعة الفوضى»!