رسالة إلى كل مبدع
نتوقف كثيراً حين نقرأ لبعض الكُتاب الذين حققوا مكانة في عالم الثقافة، ونتابع "بعضهم" في زمن التقنيات الحديثة التي وفرت لنا باباً جديداً مكننا من متابعة غيرهم من المبدعين في كل مجالات الثقافة والفنون والاقتصارد والسياسة وغيرها.ورغم أنهم مازالوا في قمة عطائهم، إلا أننا نقرأ بين سطورهم سطوة وجبروتاً يعملان على حجب الجديد الذي اقتحم بقوة عالم الثقافة خاصة، دون أن يتذكروا حالهم حين كانوا على أول طريق العطاء، غافلين أن الزمن دائماً يجود بالمبدعين!
نعرف أن أخلاق المبدع الحقيقي تتجلى في أعماله التي يقدمها إلى الجميع دون تخصيص، ليخرج من بينهم مبدع يكمل الطريق الإنساني، فما وصل مبدع دون أن يلقى صعوبات ويشقّ الطرق إلى العلا. كما نعرف أيضاً أن ليس كل ما يصلنا ذا قيمة عالية، وأن بعضه الأغلب "غث" فاقد لأسس العملية الإبداعية، ولكننا يجب ألا نحجر على أحد، لأن قيمة الإبداع مثل قوانين الطبيعة لا تبقي إلا الأصلح والأقوى.كنا نأمل ونحن نتابع "بعض" الكبار أن يطرحواً حلولاً، لأنهم الأقدر على معرفة أن متابعهم يمكنه بسهولة أن يدرك أن سهامهم موجهة إلى المبدع الجديد، لذا نتصور أن نكسة إبداعية ستصيب كل مناحي الحياة إذا استمر هذا الذي نقرأه للبعض من إصرار على تحجيم دور المجددين، وأن ما يقدمه هؤلاء المحدثون غث يفسد ثمينهم، بحجج واهية.التجربة الإنسانية عمل متكامل، يستوعب كل شيء، وهو سلسلة من الإبداع كلما مضى الزمن بها اتسعت وتعددت طرائقها، وهو ما نعيشه الآن وسط الانفتاح على كل شيء. تجاوزنا عن الكثير من الأخطاء التي فرضت نفسها في الماضي وسط جهل وفقر ومرض، وتأكدنا من عدم صلاحيتها، بفعل ما حصلناه من تجارب إنسانية أكثر شمولية، في زمن يتسارع فيه تبادل المعارف عبر التقنيات الحديثة التي صححت كثيراً من المفاهيم، بما أتاحته لنا من مصادر موثوقة. تبقى ملاحظة أخيرة، أنه ليس كل ما يحيط بالمبدعين بمختلف مستوياتهم من هالة إعلامية، حقيقياً، ولا يخفى علينا ونحن نتابع بدقة أن هناك "أبواقاً" لا نقاداً، هم "منتفعون" يقدمون البعض ويحاولون فرض ما يقدمونه على أنه الجديد، الأمر الذي قد يمر على العامة، ولكنه من المستحيل أن يتخطى المثقف الواعي.هذه ظاهرة تفشت منذ زمن ليس بالقصير، على كل مستويات الإبداع من الكتابة والشعر والغناء والموسيقى والمسرح والفن التشكيلي والسينما، ولعلنا نضيف أيضاً أنها مسّت الأخلاق الإنسانية.فإلى المبدعين الكبار، إن قيمة ما تبدعونه تأتي من وقعها في نفوس العامة من الذين يعرفون كيف يستخلصون الفائدة، فإن لم تتحقق جهودكم وتثمر منهم فعلاً، فيجب إعادة النظر في توجهاتكم.وإلى الجيل الجديد من المبدعين أيضاً: "لا تأخذكم العزة بالإثم" فليس كل ما يأتينا منكم "ثميناً"، الخبرة ضرورية لأنها عمود الخيمة والمستقبل لكم، ولكن لا مستقبل بلا حاضر، ولا حاضر بلا ماضٍ! فمتى سيتوقف الكبار عن الاستخفاف بالمبدع الجديد ليأخذوا بيده؟ وإلى الذاهبين إلى المستقبل: هل تدركون قوانين الطبيعة بأن البقاء... للأصلح؟