عندما فتحت عيني في صباح اليوم التالي كان أول ما رأيته كلمة طرزان منقوشة على الجدار. وكأن الجدار كان قد وُشم ليذكرني بالمكان الذي لست فيه الآن. ليس هنا طيور، ولا نباتات، ولا رائحة فواكه ناضجة أكثر من اللازم.

Ad

كانت لونا قد استيقظت وسمعتها تتحرك. بدا صوتها مثل سنجاب تحتي. سمعتها تفتش في أكياس بلاستيكية أو تفرغها وتصدر خربشة عنها.

«... أحدهم سرقه...».

لم أكن أمتلك الطاقة لأسألها ما الذي فقدته. استلقيت بصمت. سمعت صوت بكاء طفل من القاعة وفكرت في القائمة على اللوح الأسود في مكتب التسجيل. كان هناك سبعة وسبعين طفلاً في هذا السجن وهم يصدرون ضجة كبيرة في الصباح.

أمس، عندما كنا نطوف في السجن، أخذتني لونا إلى غرفتين صغيرتين كانتا مدرسة الأطفال. يمكن للأطفال البقاء في السجن حتى سن السادسة. تحمل النساء هنا من زيارات الزواج التي يسمح بها السجن. بعضهن يحملن لأنه يتم استئجار خدماتهن كمومسات من قبل الحراس في المحكمة الجنائية والقضائية. هذه اللقاءات تحدث في الحمامات.

داخل المدرسة المؤقتة هناك ملصق لشجرة مدبّس على الجدار. إن كنت قد ولدت في سجن، فأنت لم ترَ شجرة أبداً. ثمة بطاقات تعليمية أيضاً مربوطة بشرائط على اللوح تظهر صوراً لحافلة، وزهرة، وشارع. وهناك بطاقة تعليمية للقمر.

... قالت لونا ثانية من تحتي: «هل سرقت أحمر شفاهي؟».

قلت: «بحق يسوع، لونا، من قد يريد أحمر شفاه سجينة، مغطى بلعابك؟».

توقف الحفيف تحتي.

لم تعرف أن أمي هي من تكلمت بلساني.

نزلت من سريري، وجلست على طرف فراش لونا، وراقبتها تضع المكياج على وجهها.

عندما انتهت، وضعت قلم الحمرة والماسكارا في كيس ساندويتش بلاستيكي دفعته تحت السرير. ثم استدارت وأمسكت ذقني بيدها ونظرت إلي.

قريباً سترين أمك وتبدئين رحلة الخروج من هنا. تحملي هذه الأيام ليديدي. لا تسقطي وتخدشي ركبتيك.

لماذا أنت هنا؟ أنت لم تخبريني. هل ستخرجين قريباً؟

تعالي إلى درس الكولاج. إنه ممتع. نحن نذهب جميعنا.

من؟

حسناً، أورورا، وجورجيا، وفايوليتا، وأخريات من الصف. هيا نذهب ليديدي.

لبست صندلي ولحقت بها إلى الكوريدور.

على الطاولات البلاستيكية كانت هناك رزم من المجلات وقطع الورق المقوى ومقصات خاصة بأطفال الحضانة، وأوعية غراء.

عرّف الأستاذ عن نفسه وطلب مني أفتش في المجلات وأقص الصور التي سوف تكون لاحقاً القصة التي أريد أقولها. اسمه السيد روما. كان يعطي هذه الحلقات الدراسية في السجن منذ سنوات. السبب الذي يجعل العديد من السجينات يرغبن بأخذ هذه الحصص لأنهن يصنعن كولاج عن حياتهن الخاصة ولأنهن أيضاً كن مفتونات بالسيد روما. كان رساماً. يداه مبقعتان بزيت رسم أبيض. وشعره طويل أجعد بني فاتح يربطه على طريقة ذيل حصان. وكان في حوالي الخمسين من العمر.

بينما كان السيد روما يرشدني إلى طاولة العمل ويسحب لي كرسياً، دخلت بضع نساء وجلسن على طاولة عمل أخرى. كن جميعهن يرتدين الأزرق. بعضهن صافح الأستاذ وأخريات قبلنه على خده.

مشت لونا إلى الخزانة حيث وُضعت ألواح الورق المقوى على الرفوف وأخذت كولاجها. حملت الورق المقوى بين أسنانها والتقطت مقصاً وغراء. وجلست بجانبي. تمكنت من ترتيب كل موادها باستخدام يد واحدة وأسنانها الأمامية.

حدث صمت مفاجئ في الصف عندما دخلت سجينة إلى الباحة غير المشمسة. لم أرها من قبل، لكنني كنت أعرف أنها مسجونة هنا. الكل في المكسيك يعرف قصتها. كانت شخصية مشهورة. أحاطت بها أربع أو خمس سجينات، يحرسنها. كان شعرها الجعد الأسود ممشطاً إلى الأعلى فبدا مثل التاج. كانت طويلة وترتدي الأزرق-الكحلي، لكن كان بإمكاني رؤية أنه مخمل أزرق؛ كان يلتمع مثل عنكبوت ذات فراء. معصماها مغطيان بأساور ذهبية وثمة خاتم ذهبي في كل إصبع من أصابعها حتى في إبهامها. السجينة كانت لورديس ريفاز. ولقبها {الممرضة}. هي زوجة سياسي مرموق في المكسيك. ألقي القبض عليها بتهمة سرقة ملايين الدولارات من الصليب الأحمر، الذي كانت تتولى إدارته على مدى سنوات.

كل من في الصف التفت لينظر إليها بينما كانت تمر.

تذكرت أنني سمعت عنها في الأخبار. أحدهم أحصى، بفضل سرقاتها، آلاف سيارات الإسعاف التي لم تُشترَ، ومئات العيادات الصحية التي لم تُبنَ. كان منزلها في سان دييغو، كاليفورنيا، وقد صُوّر لصالح فيلم وثائقي تلفزيوني عن الفساد في المكسيك. شاهدناه أنا وأمي. ورأينا مغسلة الحمام فيه المصنوعة من الذهب.

راقبناها بينما كانت تمر مع جيش صغير من الحارسات السجينات اللواتي تدفع لهن للحفاظ على سلامتها. الجميع يكرهها. والجميع يريد قتلها. بدا وكأن كل مكسيكي له قصة ما حول سيارة إسعاف لم تصل أبداً.

كان كولاج لونا موضوعاً على الطاولة بالقرب من ورقتي الكرتونية الفارغة.

من صفحات مجلات فوغ، وبيبول، وناشينوال جيوغرافيك، ومجلات المسلسلات التلفزيونية، قصت لونا عشرات الصور لأذرع وألصقت هذه المجموعة على كامل لوحها. في وسط موزاييك الأعضاء البشرية هذا كانت صورة رضيعتين بعيون زرقاء واسعة في حفاضاتهما بدت كأنها مقصوصة من إعلان تجاري لغذاء أطفال. في صدري الطفلتين الصغيرتين ألصقت لونا أجزاء من ورق أحمر، مقصوصة على شكل قطرات تسقط من الجسدين إلى حوض من القطرات القصاصات. كانت تشبه قصاصات قلوب عيد الفالانتاين.

أنت قتلت هاتين الطفلتين؟

 سألتها. أردت أن أغطي فمي وأن أسحب الكلمات إلى داخلي ثانية. لكن فات الأوان. صارت الكلمات هناك، معلقة في الهواء بيننا، وابتلعتها لونا.

أجابت وكأنها تعطيني وصفة:

أجل. أنا قتلتهما. لقد كان الأمر طق، طق، طق. الأطفال ناعمون جداً. دخلت فيهما السكين بسهولة كأنها تدخل في قالب كيك.

هل كانتا طفلتيك؟

أوه، أجل. فتاتاي الصغيرتان.

لماذا؟

كانتا جائعتين باستمرار. كانتا ترغبان بالذهاب إلى المراجيح في الحديقة دائماً، وأنا لم أكن أملك الوقت لذلك. هناك عدد كافٍ من الفتيات بكل الأحوال. ونحن لا نحتاج إلى المزيد.

نبذة

جنيفر كليمنت كاتبة وشاعرة مكسيكية - أميركية. ولدت عام 1960 في الولايات المتحدة الأميركية وانتقلت مع عائلتها إلى المكسيك عام 1961 حيث نشأت وترعرعت في مدينة مكسيكو. درست الأدب الإنكليزي والأنتروبيولوجيا في جامعة نيويورك. ودرست الأدب الفرنسي في باريس. ترأست فرع PEN المكسيك ما بين عامي 2009 - 2012 وهي منظمة غير سياسية مقرها في لندن أُسست عام 1921 وتضم كتاباً من مئة دولة وتهدف إلى تعزيز الكتابة وحرية التعبير حول العالم. أسست وتدير مع شقيقتها بربارة سيبلي ملتقى سان ميغيل الإسبوعي للشعر.

كتبت ثلاث روايات هي: Prayers for the Stolen المترجمة هنا بعنوان «صلاة لأجلهن»، «قصة حقيقية قائمة على أكاذيب» وصلت إلى القائمة النهائية لجائزة الأورانج عام 2002، «السم الذي يفتننا». لها أيضاً كتاب: «أرملة باسكيات» وهو دراسة عن الرسام والشاعر جان ميشيل باسكيات. ويعتبر من أفضل الكتب التي تناولت هذا الفنان متعدد المواهب. لها دوواين شعرية عدة: «الغريب التالي»؛ «بحار نيوتن»؛ «سيدة الوزال»؛ «جنيفر كليمنت: مختارات شعرية جديدة». وقد كرمتها مؤسسات عدة.