تكريم صاحب السمو الأمير كقائد عالمي للإنسانية على مستوى الأمم المتحدة، بقدر ما يمثل من حفاوة وتقدير فهو يمثل تحدّياً واختباراً لنا كبلد وشعب، فسمعة دولة الكويت في سجّل الإنسانية وعبر المحافل الدولية لها تاريخ طويل وحافل، فقد كان بلدنا سباقاً في تقديم المساعدة للأمم والشعوب الفقيرة قبل ظهور النفط، وتحوّل هذا النهج إلى عمل مؤسسي رائد شمل قارات العالم، وبات محور ارتكاز في السياسة الخارجية التي أدارها لفترة طويلة أيضاً سمو الأمير إبان توليه الحقيبة الوزارية.

Ad

لعل ما ميّز شخصية الشيخ صباح الأحمد كحاكم أن المساعدات الإنسانية في عهده أخذت طابعاً أممياً من خلال مؤتمرات يشارك فيها زعماء العالم والمؤسسات الدولية والهيئات الإنسانية، خصوصا فيما يتعلق بالقضية السورية والأحداث المؤلمة في القارة الإفريقية، والتداعيات الخطيرة في آسيا، إضافة إلى التجربة مع الجار العراق، فكانت الدبلوماسية الكويتية تتعامل وفق مبدأ رد الإساءة بالإحسان، والنأي عن إقحام البلد في أتون الفتن والتجاذبات، فما أنفقته الحكومة الكويتية على المساعدات في العراق وسورية ومصر والبحرين والسودان وغيرها من البلاد الصديقة قد لا يقارن مع المليارات التي ضخت من دول وحكومات وأحزاب للقتل والدمار والحروب الأهلية، فالكويت لم تميز في عطائها طرفاً على طرف، ولم تدفع لجبهة لقتال جبهة مضادة، بل منحت للإنسانية المنكوبة والشعوب المستباحة، ومن أجل البناء وليس الهدم والدمار، فاستحقت بأميرها هذا التكريم الأممي.

إذا كانت العولمة الحديثة قائمة على النفوذ والاستغلال والهيمنة على المصالح الخاصة بغية بسطها على الآخرين في بعض جوانب هذه الظاهرة الكونية، فإن الكويت تساهم في تعزيز الوجه المشرق لهذه العولمة ومدى حاجة الناس لبعضهم في الشرق والغرب في الجانب الإنساني والبعد الوجداني، ولهذا فإن الكثير من الدول والزعماء الكبار لم ينالوا هذا الشرف العالمي على الرغم من الإنفاق الضخم لأنها مشروطة ومبنية على فكرة المصلحة والهيمنة والنفوذ.

تكريم صاحب السمو كقائد للإنسانية سوف يتبعه تحويل الكويت إلى مقر أممي باسم الإنسانية أيضاً، وهذا هو التحدي الأكبر، فنجاح هذا المشروع يتطلب أن تسير الثقافة الوطنية والسياسة الخارجية وتوجهات النخب السياسية والاجتماعية ومؤشرات الرأي العام في خطوط متوازية ومكملة لبعضها بعضا في ترسيخ قيم التسامح والأخوة والمحبة وحب الخير للآخرين، ولكن مع الأسف هناك جيوب ما زالت تعمل ضد هذا الحس الإنساني وتحرص على تغذية الفتن وبث روح الكراهية والفرقة في فكر مريض ومتخلف، ولا يمكن أن تتحقق لنا السمعة العالمية وتكتمل أركانها في مجال الإنسانية بأبهى صورها ونماذجها والجبهة الداخلية لا تزال تنزف من الاصطفافات المصلحية والتعبئة الفئوية، وتحولت معها أجواء البلد إلى قلق وكآبة وخوف، فقد آن الأوان لنجعل من يوم التاسع من سبتمبر إيذاناً للمصالحة الوطنية وفتح آفاق مستقبل أفضل، وغرس بذرة الإنسانية لتنمو وفق البوصلة الأممية التي حددت ديرتنا اتجاهها برمزها وقائدها الأمير حفظه الله ورعاه!