في أعقاب تسلُّم الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي منصبه في مايو 1997، عمت المنطقة روح من التفاؤل والتوجه إلى تفاهمات تخدم استقرار إقليم الخليج العربي وانتعاشه اقتصادياً نتيجة لذلك، بسبب ما كانت تعكسه برامج ورؤى الرئيس الإصلاحي خاتمي في العلاقة بين ضفتي الخليج، جعلت البعض يحلم بمنطقة تكامل وتنمية كبرى بما تملكه من موارد مالية وبشرية ستجعل الفستق والزعفران والكافيار الإيراني يتدفق علينا لتصنيعه مع عمالته الماهرة، بينما تنطلق أفرع بنوكنا وشركاتنا الاستثمارية الخليجية إلى إيران مع تمورنا والعسل اليمني!
أنا كنت من المفتونين والمؤمنين بشدة بالتكامل والتعاون العربي الإيراني، وأحد المروجين له في سلسلة من المقالات في تلك الفترة. وأتذكر أنني في إحدى الزيارات للخارج في بداية الألفية، التقيت صحافياً إيرانياً مقيماً خارج إيران، وبدأت أتكلم معه عن آفاق التعاون الخليجي الإيراني وما سيفعله بالمنطقة من ازدهار واستقرار، واستدركت بأن المشكلة فقط في النظام الذي يقوده صدام حسين الدموي المخرب في العراق في ذلك الوقت.وقد اتفق الصحافي الإيراني معي بشأن نظام العراق، لكنه ابتسم وقال: أنتم واهمون بالنسبة لإيران، فصلاحيات الرئيس خاتمي لا تتعدى توصيف مهمة سكرتير دولة، والقرار الحاسم في يد الولي الفقيه، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ومؤسسة الحرس الثوري، وهم جميعاً يمتلكون مشروعاً قومياً إيرانياً يهدف إلى السيطرة وحكم المنطقة ككل.بعد ذلك بفترة، جاءت أحداث لبنان وانقلاب حزب الله على الدولة، وتحويل الجنوب الذي انسحبت منه إسرائيل إلى دويلة برعاية إيران، وفشلت جميع المشاريع الاقتصادية الكبرى مع إيران، فلم يتم مشروع جلب المياه من إيران إلى الكويت، بل على العكس فإن إيران جففت نهر كارون وحولته من الأهوار العراقية بالكامل تقريباً وروافده إلى داخل أراضيها، وعطلت عمليات استغلال حقل الدرة للغاز الطبيعي المشترك مع الكويت، بينما حليفتها سورية فعلت الأعاجيب لتدمير الاستقرار في العراق بعد تحريره من «البعث»، وحرضت العشائر السنية في غرب العراق لتزجهم في أتون التدمير والاستبعاد من العملية السياسية، وبعد ذلك وقع زلزال اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وتؤكد محكمة دولية أن الجناة أشخاص ينتمون إلى حزب الله الممول والمدعوم إيرانياً.ولاحقاً، كشرت طهران عن أنيابها عبر سلسلة المنظومة الإعلامية المكونة من عشرات المحطات التلفزيونية والصحف والإذاعات الممولة منها باللغة العربية التي تتناول ساعة بساعة كل تفاصيل الشأن العربي، وتتدخل فيه وتوجهه، بينما لا يوجد في المقابل فعل عربي مشابه، واستغلال إيران الخبيث للقضية الفلسطينية والقضايا الوطنية العربية الأخرى، وما فعلته في العراق من تفاصيل يعلمها كل المطلعين على الشأن العراقي، في حين كانت الصفعة الكبرى هي الدور الإيراني الفظيع والدموي في سورية، ودعمها للنظام الفئوي لبشار الأسد، عبر ذراعها اللبنانية «حزب الله» والمليشيات العراقية الممولة من إيران، بل والآن عبر الحضور الإيراني شخصياً من خلال الحرس الثوري وقائد ما يسمى بفيلق القدس، قاسم سليماني.والخطير أن إيران بأفعالها تلك قد أشعلت توتراً طائفياً خطيراً، ووضعت العرب الشيعة، وهم مكون رئيسي من الهوية والواقع العربي، في موضع صعب بسبب المشروع القومي الإيراني المتوشح بعباءة المذهب الشيعي، ورغم سعة الصدر العربية والنصائح من العرب لتكف عن أفعالها تلك، فإن إيران لم تلجم طموحاتها وسرعة انطلاق مشروعها للهيمنة على المنطقة، وكانت ترى في جلوسها مع الأميركي المتهافت على اتفاق معها بشأن الملف النووي ميزة وفرصة تاريخية لها، لتفعل ما تريد خاصة بعد سيطرتها السهلة على العراق، وخضوع لبنان لذراعها هناك، وتفرّج المجتمع الدولي على جرائمها مع حليفها بشار الأسد في سورية، فانطلقت لتطويق المشرق العربي بالكامل عن طريق اليمن، وهو الخطأ الكبير الذي أدخلنا في حقبة جديدة من الصراع المفتوح، وأسقط كل الآمال بتعاون وتنمية واستقرار مع إيران في ظل حكمها الحالي ومشروعها الخطير القائم.
أخر كلام
انتظرنا الفستق الإيراني... فجاء سليماني!
02-04-2015