تحقيق الحلم الهندي

نشر في 12-03-2015
آخر تحديث 12-03-2015 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت لا يتصادف كثيراً أن أتمكن من ارتداء قبعتين (القيام بوظيفتين) في آن واحد، ولكن هذا هو ما حدث على وجه التحديد في وقت سابق من هذا الشهر، عندما قضيت بضعة أيام في نيودلهي.

كنت في الهند في المقام الأول كجزء من دوري الحالي كرئيس لمراجعة طلبها رئيس الوزراء البريطاني حول مقاومة الميكروبات للأدوية، ولكن زيارتي تزامنت مع عرض ميزانية الهند للفترة 2015-2016، وهي الأولى تحت قيادة رئيس الوزراء نارندرا مودي، ونظراً لبعض اهتماماتي وخبراتي الأخرى، فقد وجدت أن ما عُرِض كان مثيراً للاهتمام للغاية.

في أعقاب المراجعات الأخيرة لأرقام الناتج المحلي الإجمالي، سجل اقتصاد الهند مؤخراً نموا- من حيث القيمة الحقيقية- أسرع قليلاً من نمو الاقتصاد في الصين. كانت إحدى السمات الرئيسة لبحثي في اقتصادات مجموعة البريك (البرازيل وروسيا والهند والصين) قبل أكثر من عشر سنوات هو أن الهند قد تبدأ عند نقطة ما خلال هذا العقد في النمو بشكل أسرع مقارنة بالصين وتستمر في التفوق عليها لنحو عشر سنوات أخرى.

والمنطق واضح ومباشر، فالتركيبة السكانية في الهند أفضل بشكل كبير من نظيرتها في الصين، ويشكل حجم ومعدل نمو قوة العمل في أي بلد واحداً من عاملين رئيسين يدفعان الأداء الاقتصادي في الأمد البعيد، والعامل الثاني هو الإنتاجية، وبين الوقت الحاضر وعام 2030، سوف يضيف معدل نمو قوة العمل في الهند إلى المخزون الحالي من العمالة نفس القدر الذي سوف يضاف في نفس الفترة إلى قوة العمل في الاقتصادات الأربعة الكبرى في أوروبا القارية مجتمعة. والتوسع الحضري في الهند أقل من نظيره في الصين، وهي في المراحل المبكرة من الاستفادة من القوى الحميدة التي تصاحب هذه العملية عادة.

ولكن هناك مشكلة، فعندما يتعلق الأمر بالإنتاجية، كانت الهند متقاعسة، وما لم تجد وسيلة لتحسين هذا الأمر، فإن الوضع الديموغرافي في البلاد قد يتحول إلى عبء بدلاً من كونه منفعة.

وفي هذا الصدد، فإن أول ميزانية كاملة في عهد مودي لم تتضمن أي شيء درامي، ولكن إذا نجح تنفيذ عدد من المبادرات، فلابد أن يتلقى الاقتصاد دفعة حقيقية، والواقع أن السمة الرئيسة في الميزانية هي التزامها بالاستثمار في البنية الأساسية للقطاع العام، حتى على حساب زيادة العجز في العام التالي من 3.6% إلى 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي.

كنت لسنوات عديدة أزعم أن الهند لابد أن تؤكد الإنفاق الاستثماري، لذا فأنا أرحب بهذا التحول، وتتضمن الميزانية أيضاً عدداً من التدابير الأخرى المفيدة، مثل خفض معدل ضريبة الشركات والجهود الرامية إلى تحسين بيئة ممارسة الأعمال.

كما سمحت لي الزيارات التي قمت بها بوصفي رئيساً لمراجعة مقاومة الميكروبات للأدوية بمشاهدة بعض العلامات المشجعة، ففي كتابي خريطة النمو، وصفت أول زيارة لا تُنسى قمت بها إلى جورجاون، وهي بلدة تقع بالقرب من دلهي وتخدم كمحور مالي وصناعي إقليمي، وجورجاون موطن لكثير من شركات التكنولوجيا الناجحة، وفي هذه الرحلة قمت بزيارة واحدة من شركات التشخيص الرائدة في الهند، وهي شركة "إس آر إل" للتشخيص، والتي تعمل في تطوير الأدوات التي يمكنها تحسين استخدام المضادات الحيوية.

الواقع أن آخر رحلة قمت بها من فندق أوبروي في نيودلهي إلى جورجاون استغرقت أكثر من ساعتين ونصف الساعة لقطع مسافة ثلاثين كيلومتراً فقط، ورغم أن طريقاً سريعاً جديداً كان تحت الإنشاء، فإن موقع البناء كان مليئاً بالسيارات والحيوانات، ونتيجة لهذا، كان المرور في حالة من الفوضى، وكان من المستحيل إتمام أي من أعمال الطريق.

كنت أعد نفسي دوماً بتكرار نفس الرحلة في المرة القادمة التي أزور فيها الهند، ويسعدني أن أقول إن الرحلة الآن تستغرق أقل من ساعة وإن التجربة كانت أقل درامية إلى حد كبير، وعلاوة على ذلك كانت سيارة الفندق التي أقلتني تقدم خدمة الواي فاي بالمجان، وهي أول مرة أشهد فيها أمراً كهذا في أي مكان من العالم.

وربما من السابق للأوان أن نجزم عن يقين بأن الهند سوف تحتل مكانها قريباً باعتبارها الدولة صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم، بعد الصين والولايات المتحدة، ولكن لأن مناخ الاستثمار في الهند يبدو وكأنه يتحسن، فإن هذه اللحظة قد لا تكون بعيدة للغاية، فبحلول عام 2017، قد تتخطى الهند إيطاليا والبرازيل لكي تصبح صاحبة سابع أكبر اقتصاد في العالم؛ وهناك فرصة معقولة أن تتخطى فرنسا والمملكة المتحدة بحلول عام 2020 لكي تصبح صاحبة خامس أكبر اقتصاد في العالم.

ولكن تجاوز ألمانيا واليابان سوف يتطلب خطوات أكثر جرأة، وخصوصا في ما يتعلق بالتعليم والصحة والسياسة الاقتصادية، وسوف تحتاج الهند إلى تحسين نظامها التعليمي بشكل جذري، على المستويين الثانوي والجامعي، وتحقيق تقدم كبير مماثل في مجال الصحة العامة الأساسية (ناهيك عن تنفيذ توصيات مراجعتي لمكافحة مقاومة الميكروبات للأدوية).

الحق أن هذه التطورات، جنباً إلى جنب مع إطار أكثر استقراراً للسياسة النقدية والمالية، من الممكن أن تؤدي إلى ذلك النمط من النمو بمعدل يتجاوز 10% والذي حققته الصين على مدى العقود الثلاثة الماضية، والأمر متروك الآن لصناع السياسات في الهند لتحقيق هذا الطموح.

* جيم أونيل | Jim O Neill ، الرئيس السابق لبنك غولدمان ساكس لإدارة الأصول، والسكرتير التجاري في وزارة المالية البريطانية، وأستاذ فخري في علم الاقتصاد في جامعة مانشستر، وباحث زائر في مركز أبحاث الاقتصادية بروغل.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top