أبا عبدالمحسن لا نقول وداعا فأنت معنا بشموخك وكبريائك، بأعمالك الخيرية وتواضعك، بمواقفك الشجاعة، فمن ذا الذي يستطيع أن ينسى موقفك الشجاع في تلك الفترة الحرجة التي مرت على البلاد بعد الفراغ السياسي عقب وفاة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، والعارض الصحي الذي ألمّ بسمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمهما الله وطيب ثراهما وجعل الجنة مثواهما؟

Ad

 فأطلت الفتنة برأسها لكن كان لموقفكم الثابت والشجاع أثره في وأد الفتنة في مهدها، وإطفاء نارها التي لا أحد يعلم إلى أين سيصل أوارها، فتم اختيار سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وبإجماع ممثلي الشعب بلوحة ديمقراطية رائعة، وتم انتقال السلطة بطريقة سلسة وراقية كانت مثار إعجاب العدو قبل الصديق، وقد كان لي شرف الاستماع منه عن تفاصيل تلك الفترة أثناء تناول العشاء في أحد المطاعم الصغيرة في مدينة العقبة الأردنية، وكان يتميز بصدق الحديث والتواضع الجمّ وحب الكويت الذي ملك عليه قلبه.

لقد بدأ ارتباطي ومعرفتي بالمغفور له أبي عبدالمحسن منذ عام 1989، وكان يشغل وقتها منصب وزير المالية والتجارة والصناعة، حين كنت أتولى منصب سفير البلاد لدى جمهورية الجزائر الشقيقة، ونظراً لوجود شركة كويتية -جزائرية تواجه بعض المصاعب فقد تشرفت بمقابلته في مكتبه بمجمع الوزارات، حيث تم اتخاذ قرار ينمّ عن قوة الشخصية والإخلاص والحرص على هذا الوطن الغالي.

 ثم توالت اللقاءات حيث تشرفت باستقباله في اليمن على رأس وفد برلماني، واستمرت الزيارة أربعة أيام كانت مليئة بالأحداث، كما قمت باستقباله عدة مرات أثناء زياراته المتعددة للأردن الشقيق، ولا أنسى ثقته الغالية عندما كلفني أن أنوب عنه في رئاسة الوفد أثناء إحدى جلسات اجتماع رؤساء البرلمانات العربية لدول الجوار مع العراق نظراً لانشغاله بلقاءات جانبية.

أما في الجانب الخيري والعمل الإسلامي والوطني، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد قرر بعض رجالات الكويت الخيرين إقامة مركز إسلامي في مدينة لاهاي في مملكة هولندا؛ نظراً لوجود جالية إسلامية يتجاوز تعدادها المليون، وبعد البحث وجدنا مبنى يتكون من عدة أدوار مع حديقة، وهو ملك لإحدى الكنائس التي عرضته للبيع، وعليه فقد بدأت عملية جمع التبرعات، وعند مقابلة الشيخ الفاضل أحمد الفلاح "بويوسف" جزاه الله خيراً للمغفور له بوعبدالمحسن لطلب المشاركة في التبرع أصر بكل أريحية أن يتحمل تكاليف الشراء بالكامل، وقد تم ذلك، وكان لي شرف استلام مفاتيح المركز الذي أطلق عليه اسم "مركز محمد الخرافي الإسلامي".

ومثال آخر للذكر لا الحصر، فقد روى لي أحد الأقرباء، وكان بودي أن أذكر اسمه لكنه، جزاه الله خيراً، لا يرغب في ذلك، أنه وبعد تخرجه قام ونخبة من الأطباء بإنشاء صندوق لإعانة المرضى، وقد قاموا بزيارة المغفور له بوعبدالمحسن لطلب المساعدة في إيجاد مقر لهذا الصندوق، والذي أمر على الفور بإنشاء مقر بجانب مستشفى الصباح وبدأ العمل فيه، ثم تحول الصندوق إلى "جمعية صندوق إعانة المرضى"، والتي مضى على تأسيسها خمسة وثلاثون عاما.

 لم يكتفِ رحمه الله بذلك، بل قام بترتيب لقاء لهؤلاء الشباب مع والده المغفور له محمد عبدالمحسن الخرافي، وكان يشغل وقتها منصب الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني، ويكمل قريبي حديثه، ذهبنا للعم الفاضل رحمه الله في مكتبه في مبنى بنك الكويت الوطني، وكان الاستقبال فيه الكثير من الود والحفاوة، وقد أمر- رحمه الله- بوضع "وقف" للجمعية قائلا: "أنا موجود في أي وقت تشاؤون، ومن بعدي سيكون ولدي جاسم".

 وحتى الآن ذلك الوقف قائم، لكم الله يا أبناء جاسم محمد الخرافي فإن تركة الخير ثقيلة، ولكني على ثقة بقدرتكم وعون الله لكم.

دعاؤنا من القلب للمولى القدير أن يتغمد العم بو عبدالمحسن بواسع رحمته ورضوانه، ويلهم أهله وأهل الكويت الصبر والسلوان.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.