قانون «حماية الثورتين» ضد توجُّه معظم المصريين
تعيش مصر حالة من الاستقطاب الحادة عالية الصوت، هذه الحالة تدفع في بعض الأحيان إلى التفكير في حسم هذه الحالة، وأسهل الطرق هو إصدار قوانين لفرض الحالة المطلوب فرضها، وفي هذا الإطار يمكن تفسير الإعلان عن الرغبة في إصدار قانون يحمي "الثورتين" 25 يناير و30 يونيو، لكنني أرى أن هذه الحالة لن تنتهي إلا بالتقدم إلى الأمام.المطلوب اليوم قانون ينظر إلى الأمام ولا ينجذب إلى الخلف والاختلاف، تنفيذ الشعار الذي كان حاضراً في حملة الرئيس الانتخابية هو السبيل إلى "الاستقرار، الأمان، الأمل" إذا ما حضر الأمل فسوف ينسحب الاختلاف والاستقطاب.
كما سبق أن ذكرت عدة مرات، أن المجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء، مازالت بدرجات متفاوتة تحتضن وتستحضر الكثير من مراحلها البدائية، وتبقي مجتمعاتنا في المقدمة من حيث احتفائها بـ "الأبقار المقدسة" من كل لون وصنف، وأظن أن جزءاً لا يستهان به من مشكلاتنا يعود إلى تلك الحالة من التقديس لأفكار أو تصورات يعجز بعضنا على التعامل معها بعقلانية، فيحدث ما نشاهد من صدامات تصل إلى حد القتل، ويبدو هذا في الهيجان الديني، والاستقطاب الطائفي والمذهبي والسياسي الحاد، وتفشي العنف والإرهاب، لا مجال هناك للعقل والعقلانية والحلول التوافقية.يحضرني هذا الحديث عن هذه الظاهرة بمناسبة تحركنا من أجل خلق "بقرة مقدسة" جديدة بالتفكير في إصدار تشريع لحماية "ثورتي" 25 يناير و30 يونيو من أي إساءة تتعرض لها "الثورتان". مصادر قالت إن القانون سيتضمن عقوبات رادعة لمن يقوم بالإساءة إلى كل من "الثورتين"، وذلك بالاستناد إلى الدستور المصري الصادر في شهر يناير الماضي باعتبار 25 يناير و30 يونيو "ثورتين"، وهنا أنتهز الفرصة لأعلن رفضي لمثل هذا التشريع، ليس من منطلقات الاعتداء على حرية التعبير وتقييدها، أو لأن في إصدار هذا التشريع استفزازاً لقطاع عريض من المواطنين فقط، ولكن أرفض هذا التشريع أساساً لأنه يتناقض مع العقلانية المفترض أن تسود أفعالنا وعلاقاتنا في المجتمع.الرئيس السيسي الذي عُرف عنه ارتباطه وتعبيره عن نبض الناس، لا أتمنى أن يتأثر ببعض الأصوات الزاعقة التي تطالب بحماية ما يعتقدون بتقييد قانوني يجرّم انتقاد ما يعتقدون، الثورات هي فعل اجتماعي يستمر أو يندحر وفقاً لتطور المجتمعات وتفاعلها معه سلباً أو إيجاباً، وليست - أي الثورات - كائناً غير مكتمل النمو يحتاج إلى أن يوضع في "حضانة" لحين اكتمال نموه. في حدود معرفتي المتواضعة، لم يصدر قانون يحرّم مناقشة الثورات على مدار التاريخ، مازالت الثورة الفرنسية محل جدل، وهكذا كل التغيرات الاجتماعية الأخرى. لكن ما يتحصن بقانون هو تلك الأفكار التي لن يبقى لها وجود في حال مواجهة الواقع مثل قوانين معاداة السامية والقوانين المرتبطة بـ"الهولوكوست". الضعيف يحتاج إلى تدخّل خارجي لتدعيمه وتقويته، والتغيرات الاجتماعية الأصيلة والحقيقية هي تعبير عن إرادة حقيقية كفيلة بالاستمرار والنمو الطبيعي.لو دخلنا ذلك النفق فلا خروج منه، سوف ندفع ثمن الغرق في التنابز والتناحر والتجريم، إذا ما صدر مثل هذا القانون، فمن حق من يصفهم الآخرون بأنهم "عبيد البيادة" أن يطالبوا هم بقانون يحميهم ويحمي اختيارهم السياسي، ومن حق كل من يؤمن بفكرة أو تيار أو توجّه أن يصرخ زاعقاً طالباً الحماية، الخضوع للأصوات العالية لن يجني من يتنازل لها إلا خسارة الجسد الحقيقي للأمة.تابعت ردود فعل القراء على عدد كبير من المواقع بشأن إصدار مثل هذا التشريع، لم أحتج إلى القيام بمجهود كبير لاكتشاف أن الغالبية الكاسحة ضد هذه الفكرة، قرأت العديد من التعليقات، وتوقفت أمام تعليق هذا جزء منه: "هذا معناه أنك إذا قلت 25 يناير مؤامرة هاتدخل السجن، وإذا قلت إن 30 يونيو مش ثورة هاتدخل السجن. طيب (...) سيادة الرئيس قبل ما تطلّع قانون يرضي بعض الشباب اليساري أو الفوضوي أو حتى الطاهر، فعّل قانون المرور اللي ماحدش قادر يقول بم لعربيات النقل اللي ماشية تقتل في الناس على الطرق. سيادة الرئيس طبّق قانون الإرهاب على اللي بيقتلوا أولادنا ليل نهار (...) سيادة الرئيس فكّر في مصر الـ 90 مليوناً، وبطّل تفكر في صوت بعض الشباب العالي اللي هايفضل عالي كأنك في صالة ديسكو. (لازم نختار)، إما صالة الديسكو وإما مصر". هذا جزء من تعليق يعبّر عن التوجه الغالب بين المصريين الذين يشعر الرئيس بنبضهم ويتفاعل معهم.