ما قل ودل: على هامش استجواب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التجارة والصناعة (1)

نشر في 21-12-2014
آخر تحديث 21-12-2014 | 00:01
 المستشار شفيق إمام  الاستجواب الثامن عشر بعد المئة

من الإنصاف أن نعترف بأن الاستجواب المقدم من النائب المحترم الدكتور عبد الله الطريجي والموجه إلى السيد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التجارة والصناعة، والذي تمت مناقشته يوم الثلاثاء 16 ديسمبر، وانتهى فيه المجلس إلى بعض التوصيات، قبل الانتقال إلى جدول الأعمال، قد جرت مناقشته، في أجواء صحية بعيداً عن أجواء التأزيم التي كانت الاستجوابات السابقة تناقش فيها، وأن مقدم الاستجواب كان موضوعياً في طرحه، ولم يلجأ إلى تهييج الشارع الكويتي، قبل وبعد تقديم استجوابه، وقبل مناقشته، كما لم يلجأ إلى استخدام عبارات القذف والسباب التي جرت خلال مناقشة بعض الاستجوابات في سنوات التأزيم، بحيث أصبح الاستجواب هدفاً في ذاته، ووسيلة لتأزيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لتحقيق أغراض لا تمت بصلة إلى المصلحة العامة، بل وتضر أحياناً بالمصالح العليا للبلاد.

ومع ذلك، فإن ما استوقفني، قبل الولوج في موضوع الاستجواب وتوقيته والتوصيات التي انتهى إليها المجلس، هو تصريح لنائب أيد الاستجواب تبريراً لموقفه، وتصريح لمقدم الاستجواب حول هدفه من الاستجواب، وهما ما سنتناولهما في ما يلي:-

الحفاظ على هيبة المجلس

فقد نقلت إحدى الصحف اليومية، على صفحتها الأولى تصريحاً لنائب أيد الاستجواب، قال فيه عقب انتهاء مناقشة الاستجواب بأن ما كان يطمح إليه حفظ هيبة المجلس.

وقد اقترن نقل الصحيفة للتصريح بتساؤلاتها حول ما إذا كانت هذه العبارة قد فلتت منه؟ أم إنها مدروسة ليعلن دوره؟ أم إنها عفوية لا تعتبر شيئاً البتة؟ وأضافت الصحيفة أنه أياً كان مقصده، فإن هذه العبارة لم تمر مرور الكرام.

ونحن إذ نثمن ونقدر حرص النائب المحترم على الحفاظ على هيبة المجلس، فإن هيبة المجلس لا تقررها كثرة الاستجوابات، بلا طائل، أو طرح الثقة بالوزراء، على غير أساس سليم من أحكام الدستور والقانون وصحيح الوقائع، كما كان يحدث في بعض الاستجوابات خلال سنوات التأزيم من هجوم غير مبرر على الوزير المستجوَب واتهامه في شرفه ونزاهته، بأقوال مرسلة، ودون إقامة دليل على صحة هذا الاتهام، ووصف الوزير بأقذع الألفاظ وأحط الإهانات، إن هذا المسلك من بعض الأعضاء والذي كان يستهدف الحط من كرامة الوزير وهيبته، كان في الوقت ذاته يحط من هيبة المجلس، فالوزير هو عضو في المجلس من ناحية، والحط من هيبة الوزير يحط من هيبة الدولة، وهيبة المجلس من هيبة الدولة.

ديمقراطية بلا استجواب

ولعل النائب المحترم في ما قاله من أن ما كان يطمح إليه هو الحفاظ على هيبة المجلس، كان متأثراً بالنظرة التي سادت لدى بعض النواب السابقين، بأنه لا ديمقراطية بلا محاسبة، وهو قول صحيح في ذاته، إلا أن بعض الأعضاء أسرفوا ـ في سنوات التأزيم - في استخدام حق الاستجواب، بحيث أثر ذلك سلباً على الوظيفة الأصلية لمجلس الأمة، وهي الوظيفة التشريعية، التي يتولاها المجلس، والتي تم تقليصها لمصلحة الاستجواب.

وجدير بالذكر أن الاستجواب في دساتير بعض الدول لا يحتل الأهمية التي يحتلها في الكويت، كما أن دولاً كثيرة تترسخ فيها أسباب الحكم الديمقراطي والممارسة الديمقراطية السليمة، وهي لا تعرف نظام الاستجواب أصلاً، منها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا واليابان وأيرلندا والهند ومالاوي.

وإن دولاً ديمقراطية لا يحمل الاستجواب -وفقاً لدساتيرها- سمة الاتهام، بل لا يعدو أن يكون وسيلة للحصول على معلومات، شأنه شأن السؤال، ولا يختلف عنه إلا في أنه يطرح الموضوع - محل الاستجواب- لمناقشة عامة يشارك فيها باقي أعضاء البرلمان، ومن هذه الدول النمسا وألمانيا والبرازيل وإيطاليا وهولندا وسويسرا والسويد.

التعاون كان هدفاً

أما ما صرح به الدكتور عبدالله الطريجي، بعد مناقشة استجوابه من أن التعاون مع الحكومة كان هدفه من تقديم الاستجواب، إن كان صحيحاً ما نسبته إليه الصحيفة، ولاسيما أنه لم ينفِه، فإنه يحتاج إلى إعادة نظر.

وإذ نثمن ونقدر حرص النائب المحترم على تفعيل التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إلا أن ما أردنا التنويه إليه هو أن الاستجواب وفقاً لنص المادة 100 من الدستور يجوز أن يؤدي إلى طرح موضوع الثقة بالوزير على المجلس، لأن الاستجواب اتهام تعقبه مناقشة لأوجه الاتهام ولأسانيد العضو في التدليل عليه، لذلك قد يؤدي إلى طرح الثقة به.

وإن التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، من خلال التوجيه والنصيحة، له وسائله الأخرى، ومن بينها وسائل الرقابة البرلمانية الأخرى كالأسئلة والمناقشات العامة والرغبات التي يبديها الأعضاء ويقرها المجلس، أما الاستجواب فهو اتهام للوزير لمحاكمته سياسياً.

وقد نبه رئيس مجلس الشعب المصري إلى أن الاستجواب الموجه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة عن استيراد أغذية فاسدة من الخارج، وقد انتهى إلى طلب تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، لا يستوفي الشرط الدستوري للاستجواب، وهو طلب المحاسبة لسحب الثقة (جلسة 17/2/93).

ونبه رئيس مجلس الشعب المصري أيضاً إلى أن المستقر في الفقه الدستوري أن الاستجواب هو مساءلة للوزير وللحكومة، ويجب أن ينسب إلى الوزير أو إلى الحكومة خطأ يدلل عليه المستجوب، وينتهي إلى طلب مساءلة الوزير وليس إلى مجرد مطالبته بالتحقيق مع الأجهزة التابعة له (جلسة 18/5/92).

كما نبه رئيس مجلس الشعب المصري كذلك بجلسة المجلس المنعقدة بتاريخ 17/2/1993 إلى أن استجوابين موجهين إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى وزير الصحة، يخلوان من طلب المحاسبة، فاستبعدهما المجلس.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top