كانت «معايدة» الولايات المتحدة للعرب، وعلى وجه التحديد للمملكة العربية السعودية ولدولة الإمارات وأيضاً لتركيا، بمناسبة عيد الأضحى المبارك اتهامات مساندة الإرهاب التي وجهها نائب الرئيس الأميركي بايدن إلى هذه الدول في محاضرة له يوم الخميس الماضي في جامعة «هارفرد» الشهيرة، حيث وجه إلى نفسه أيضاً شتيمة من العيار الثقيل عندما اعتبر وظيفة نائب الرئيس، أي وظيفته، عملاً «حقيراً وتافهاً»... وهذا اعتراف يتحمل مسؤوليته هو نفسه لا غيره!

Ad

وبالطبع فإن بعض الذين لا يثقون بالرئيس باراك أوباما ولا بإدارته اعتبروا أنّ هذا الذي قاله بايدن وبعد أيامٍ من بدء عمليات التحالف الدولي، التي تقودها الولايات المتحدة ضد «داعش»، هو من قبيل التمهيد للتراجع عن هذه الحرب، من خلال خلْط الجد بـ«المزح» وبالطريقة «الكاريكاتورية» المضحكة التي اشتهر بها بايدن، والذي من حسن حظ الأميركيين أنه لم يصبح رئيساً لهذه الدولة العظيمة الكبرى.

ولعل ما يشير إلى أنَّ البيت الأبيض قد لمس غضب الرأي العام الأميركي وغضب حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مسارعة قناة «N.B.C» التلفزيونية الأميركية إلى القول بأن «زلات لسان جو بايدن أكثر من أن تعد وتحصى»، فضلاً عن أن نائب باراك أوباما نفسه بادر إلى الاعتذار إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإلى نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، مع إصدار مكتبه، أي مكتب بادين، بياناً يعتذر فيه لـ«حلفاء آخرين في المنطقة»!

وهكذا، سواء كان ما قاله بايدن عن نفسه بأن «وظيفة نائب الرئيس عمل حقير وتافه» هو تأكيد حقيقة أو من قبيل «البهورة» ومحاولة «خفَّة الدم» فإن المشكلة مع هذه الإدارة الأميركية، التي بقي من عمرها عامان فقط، هي أنها إدارة مترددة، لم تثبت على أي موقف خلال الست سنوات الماضية، اللهم إلا موقف دعم إسرائيل ظالمةً أو مظلومة وهي ظالمة دائماً وباستمرار، والدليل على هذا هو الموقف من القضية الفلسطينية والموقف من مصر والموقف من الأزمة السورية والموقف من العراق وإيران.. وأيضاً... أيضاً الموقف من الإرهاب وكيفية التعامل معه ومواجهته.

ولهذا، فإن مع الذين سمعوا من بايدن ما قاله في جامعة هارفرد الخميس الماضي كل الحق في أن يذهبوا بعيداً وأن تسود لديهم القناعة بأن النائب هو سرُّ رئيسه وأن اتهام حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بهذه التهمة الباطلة، أي أنهم قدَّموا دعماً للإرهاب، ربما يكون من قبيل التمهيد لتراجع باراك أوباما، المشهور بتردده وبتراجعه عن مواقف سابقة كان قد اتخذها تلاؤماً مع معطيات لحظة معينة، عن هذا الحلف الدولي الذي أقامه وعن هذه الحرب التي أدخل فيها دولاً كثيرة، ومن بينها بالطبع عدد من الدول العربية والعودة إلى المساحة الرمادية التي كان يقف فيها، إنْ بالنسبة للوضع في العراق وإن بالنسبة للوضع في سورية!

لكن واحترماً للمنطق لا ثقة بالرئيس باراك أوباما، فإنه غير ممكن توقّع أن تتراجع الولايات المتحدة بهذه السرعة عن هذه الخطوة التي كان هدفها، قبل محاربة «داعش» ومواجهة الإرهاب، إعادة نفسها إلى المركز الذي بقيت تحتله منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينيات القرن الماضي، والذي بدأ في الاهتزاز مع مجيء هذه الإدارة البائسة والمترددة بالفعل... فالتراجع يعني كارثة محققة ويعني انكماش أميركا وعودتها إلى ما وراء البحار والمحيطات والتخلي عن مصالحها الإستراتيجية في هذه المنطقة وفي العالم بأسره... وهو يعني أيضاً أن الوصف الآنف الذكر الذي أطلقه جون بايدن على نفسه ينطبق أيضاً على الرئيس نفسه لا على نائب الرئيس وحده.