أميركا هي إسرائيل وإسرائيل هي أميركا!
من المفترض ألا يكون مستغرباً أن يأتي الرد الإسرائيلي والرد الأميركي على خطوة ذهاب الفلسطينيين إلى عضوية محكمة الجنايات الدولية وإلى هيئات مماثلة أخرى واحداً، ففي حين هددت واشنطن بقطع "المعونات" عن السلطة الوطنية، بادر بنيامين نتنياهو إلى تجميد أموال الضرائب، التي هي أموال فلسطينية، والتوقف عن مواصلة دفعها للجانب الفلسطيني، مع أنَّ هناك نصاً بهذا الخصوص في اتفاقيات أوسلو المعروفة وفي الاتفاقيات الإجرائية التوضيحية اللاحقة.عندما ترفض إسرائيل إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، التي احتلتها في عام 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية، وتساندها الولايات المتحدة في هذا مساندة التابع للمتبوع، ثم عندما تفقد الحكومة الإسرائيلية أعصابها، وتبادر إلى إيقاف دفع أموال الضرائب للسلطة الوطنية، وتساندها واشنطن في هذا مساندة التابع للمتبوع، فإن هذا يعني أنَّ كل جولات جون كيري الشرق أوسطية كانت مجرد خداعٍ في خداع، وأنَّ واشنطن كانت تكذب على نفسها وعلى العرب والعالم بأسره، عندما رفعت خلال السنوات الأخيرة راية: الحل العادل والشامل لقضية فلسطين.
إن مواقف هذه الحكومة الإسرائيلية، التي على رأسها رجل يحمل كل عُقد التاريخ وأوهامه هو بنيامين نتنياهو، غير مستغربة إطلاقاً، طالما أنَّ "دستور" رئيسها هو "مكان تحت الشمس"، وطالما أن كثيرين من بين الإسرائيليين يصدقون تلك الكذبة القائلة: "أرضٌ بلا شعب لشعب بلا أرض". أما المستغرب حقاً فهو أن تتخذ الولايات المتحدة الدولة صاحبة المصالح الاستراتيجية في هذه المنطقة وفي العالم الإسلامي كله مواقف إسرائيل نفسها، وألا تخاف على هذه المصالح وهي تنتشر كل هذا الانتشار في الشرق الأوسط العربي والإسلامي.لقد قيل للأميركيين كلهم من الرئيس باراك أوباما حتى أصغر موظف في الإدارة الأميركية، إنَّ هذا التعامل الأميركي مع القضية الفلسطينية هو الذي يستخدمه الإرهابيون مبرراً لكل ما يرتكبه "داعش"، و"النصرة"، و"القاعدة"، وبقية التنظيمات الإرهابية من جرائم، وإنه إذا استمرت إسرائيل في اضطهاد الشعب الفلسطيني على هذا النحو، فإن الذي سيدفع الثمن في النهاية الولايات المتحدة، الدولة التي من المفترض، تماشياً مع مصالحها، ألا تكون إسرائيلية أكثر من إسرائيل، وألا يكون رئيسها "صهيونياً" أكثر من نتنياهو، وأرييل شارون، ومناحم بيغن، وإسحق شامير.إنَّ هذه مسألة، أما المسألة الأخرى فهي أنه من العار أن يترك العرب، المقتدرون وغير المقتدرين، أشقاءهم الفلسطينيين الذين يرابطون في الخط الأول، وفي الخنادق المتقدمة، دفاعاً عن الأمة العربية، التي لم تكن مستهدفة كما هي الآن... فهل يعقل أن تتخلى الأمة العربية عن هذا الشعب المكافح، مع أنها تعرف أن هذا الوجود الغريب في فلسطين كان ولايزال مشروعاً استعمارياً يستهدف هذه الأمة، ويستهدف وحدتها ومكانتها في هذا الكون الذي أصبح ميدان صراع بين الأمم المتناحرة؟إنه لا يعقل أن يصمت العرب إزاء تهديدات الإسرائيليين والأميركيين لأشقائهم الفلسطينيين بخبز وحليب أطفالهم، ثم أليس عيباً وعاراً أن يضطر الرئيس محمود عباس (أبومازن) إلى تسليم مفاتيح السلطة الوطنية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لأنه بسبب العقوبات الإسرائيلية والأميركية التي يجري التهديد بها سيصبح غير قادر على الاستمرار في عجلة الحياة في هذه السلطة؟ فهل هذا جائز، وهل من المعقول أن يصل الذلُّ والهوان إلى هذه الدرجة؟!