تتداول أروقة مجلس الأمة والمحاكم وعلى صفحات الصحف في هذه الأيام الحديث عن استقلال القضاء، وعن مشروع قانون يطرح قريباً على مجلس الأمة بعد أن طال انتظاره، وهو ما أثار قلقي وفضولي في الجديد الذي طرأ، وقد صان الدستور استقلال القضاء فيما نصت عليه المادة (163) من أنه لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم وأحوال عدم قابليتهم للعزل.

Ad

ويجرم قانون الجزاء في المادتين 146 و147 التأثير في جهات القضاء والإساءة إلى سمعتها، ويعاقب على هذا الفعل بعقوبة تصل إلى الحبس لمدة سنتين.

وقد كان أحد إنجازات مجلس الأمة في الفصل التشريعي السابع إقرار القانون رقم 10 لسنة 1996، بتعديل قانون تنظيم القضاء، بما يحقق استقلاله. وقد صدر هذا القانون بتعاون وتنسيق كاملين بين مجلس الأمة وبين الحكومة، وإلى كل من حمد الجوعان، رئيس اللجنة التشريعية وقتئذ، شافاه الله، ولجنته الموقرة، ومشاري جاسم العنجري، وزير العدل وقتئذ الفضل في هذا التعاون والتنسيق، وفي صدور القانون حافلاً بضمانات القضاة التي تكفل استقلالهم. فأعيد تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، الذي نص الدستور في المادة (168) على إنشائه وعلى أن يعين القانون اختصاصاته، بأن ضم إلى عضويته أقدم اثنين من المستشارين الكويتيين، ليشاركا رؤسائهما في محكمة التمييز ومحكمة الاستئناف مسؤوليات هذا المجلس، التي تم تفعيلها بمنح هذا المجلس الصلاحيات الآتية:

1- أن يصدر المجلس وحده اللوائح الخاصة بتنظيم عمله، وبنظام التفتيش على القضاء.

2- أخذ رأي المجلس الأعلى للقضاء في تقديرات الإيرادات والمصروفات المخصصة للقضاء في الميزانية العامة للدولة.

3- ناط القانون بالمجلس الأعلى للقضاء إعداد تقرير في بداية كل عام قضائي أو كلما رأى  ضرورة لذلك، فيما أظهرته الأحكام وقرارات الحفظ الصادرة عن النيابة العامة من نقص في التشريع القائم أو غموض فيه، وبما يراه لازمة للنهوض بسير العدالة، ويرفع هذا التقرير إلى مجلس الوزراء.

4- كما نص القانون على اختصاص المجلس بالأمور الآتية:

• ندب رئيس وأعضاء إدارتي التفتيش القضائي للمحاكم والنيابة العامة، وإحاطة المجلس بتقارير هاتين الإدارتين.

• ندب مدير وأعضاء نيابة التمييز.

• تشكيل المكتب الفني لمحكمة التمييز، وندب أعضاء المكتب الفني للنائب العام.

• إبداء الرأي في المرشح لرئاسة محكمة التمييز.

5- الفصل في التظلمات التي يقدمها أعضاء النيابة العامة من قرارات النائب العام بتوجيه تنبيه إليهم، والتي يقدمها القضاة من قرارات رئيس المحكمة بتوجيه تنبيه إليهم.

ضمانات أخرى لرجال القضاء

كما قرر القانون ضمانات أخرى لرجال القضاء والنيابة العامة هي:

1- حظر منح القاضي أو عضو النيابة العامة أوسمة أو أنواطاً أو نياشين أو قلادات أو أي شيء آخر أثناء توليه وظيفته.

2- حظر إنهاء عقود رجال القضاء والنيابة العامة غير الكويتيين إلا بموافقة المجلس الأعلى للقضاء.

3- موافقة المستشار بمحكمة التمييز أو الاستئناف على نقله إلى النيابة العامة.

4- واعتبر القانون استقالة القاضي أو عضو النيابة العامة مقبولة بمجرد تقديمها.

5- قصر توجيه التنبيه إلى أعضاء النيابة العامة على النائب العام وحده.

6- قصر رفع الدعوى التأديبية على رئيس التفتيش القضائي بعد تحقيق جزائي أو إداري  يتولاه التفتيش.

7- أنشأ القانون معهداً للدراسات القضائية لرفع الكفاية الفنية لرجال القضاء والنيابة العامة.

وهي ضمانات تكفل للقاضي التكوين المهني والإحساس بالعزة والكرامة والطمأنينة، وسد كل ثغرة قد ينفذ منها السوء إلى استقلال القضاء، كما أفاضت في ذلك المذكرة الإيضاحية للقانون.

مشاري العنجري والقانون

جدير بالذكر أن كثيرا من هذه الاختصاصات كانت من صلاحيات وزير العدل. وقد كان مشاري العنجري وزير العدل وقتئذ، الأكثر حرصا على التنازل عن هذه الاختصاصات لتحقيق استقلال القضاء، بل إنه تنازل طواعية عن اختصاص لا يزال مقرراً  للوزير، وهو انفراده بتعيين وكلاء النيابة العامة (ج)، وهي أولى الدرجات في السلك القضائي، فقد كان العنجري يطلب موافقة المجلس الأعلى للقضاء على الترشيحات للنيابة العامة، قبل إصدار قراره.

الأمر الذي يطرح سؤالا مشروعا حول الضمانات الجديدة التي يطلبها القضاة لتأمين استقلالهم؟

وهو سؤال سوف نجيب عنه في مقال قادم إن كان في العمر بقية.