أيام المرحلة المتوسطة في مدرسة الخليل بن أحمد في منطقة كيفان أوائل الثمانينيات، قرر زميل الدراسة أسامة أو بالأحرى قُرر له مقاطعة حصة الموسيقى لأنها حرام وانضم إليه زميل آخر، ومنذ الحين نشط الزميلان في اغتيال أحاديثنا بأخبار المجاهدين في أفغانستان الذين كانوا يومها "أحباب" أميركا وحكومات الخليج النفطية.
أسامة وغيره مجرد مثال وعينات كبرت وتنامت في مدرسة واحدة، تركوا هكذا يوزعون بيننا مناشير ومطبوعات تحرم مشاهدة التلفزيون، وتميز فرقة هي الناجية من النار عن بقية الفرق، ومواضيع أخرى لم يكن لعقولنا أن تستقبلها بسهولة، ولكن مع كثرة التوزيع وتزايد الترديد من الأساتذة القادمين من مصنع الإخوان المسلمين في جامعة الكويت، تخلخلت أركان النظام التعليمي، وتحولت إلى مفارخ متعددة المراحل تنتج المتعاطفين مع الفكر المتشدد وجماعات أخرى أكثر تشدداً.تخرجنا من المرحلة المتوسطة وانتقلت مع أسامة إلى ثانوية كيفان (مقررات) وبقيت فيها عاما كاملا، وجدت فيها من أشباه أسامة العشرات، ولأني طالب مستجد فقد حظيت باهتمام الجماعة، ومنهم من كانوا "طبيعيين" إلا أن أيدي الأخطبوط اصطادتهم في مكان آخر، محاولتهم الأولى هي زرع محبة قائمة الإخوان في جامعة الكويت، وقد أهدوني ملصقاً لطفلة تضع علامة صح على تلك القائمة، كان رد فعلي هو "يا فتاح عليم يا رزاق يا كريم"، أنا للتو لا أعرف ممرات ومباني ثانويتي، والشباب المتحمسون يريدون مني شيئاً لن يحصل إلا بعد 4 سنوات.تخرجنا من الثانوية ودخلنا الجامعة قبل الغزو العراقي، فوجدت من قاطعوا حصص الموسيقى قد تحولوا إلى قيادات ميدانية، والصامتون في حصص العربي والدين والرياضيات والجغرافيا باتوا ينظرون في مستقبل الحركات الدينية.ما نعيشه اليوم وقبل ثلاثة عقود من تصاعد الدور الكويتي في الإرهاب الدولي وتحول مساره، من ماكينة "فلوس" إلى مشارك في "النفوس" لم يحدث فجأة أو نتيجة ردود أفعال، بل هو نظام "تصنيع" طويل الأمد، كبر وتمدد وفلت عياره، وتصعيده تم على حساب تصفية وجود الفكر المتسامح والثقافة الجادة وكيان الدولة نفسها.لن نطالب بما طالب به الآخرون من تصفية وإجراءات ستالينية، بل نقول أطلقوا الحرية للمؤسسات التعليمية والثقافية، وافتحوا بوابات الكويت لتستقبل المبدعين والمفكرين كما فعلت من قبل، واستقطبوا خيرة العقول العربية والأجنبية للتدريس في الجامعات والمعاهد، وخففوا من وطأة الرقابة على المسرح والكتاب، فلم يعد للمقص في زمن "النت" حاجة.وأخيرا لا تتركوا "أسامة" وغير أسامة فريسة للفكر المتطرف المرخص بصمت المؤسسات الرسمية.
مقالات
الأغلبية الصامتة: لا تتركوا أسامة
18-09-2014