فجأة أصبح جنرال الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وجهاً مألوفاً بشكل معلن في الحرب بين «داعش» والعراقيين، بعد أن كان «رجلاً في الظلال» طوال 12 عاماً بعد سقوط صدام حسين. وجاء انتقال دوره من السر إلى العلن، ليعلن دخول القضية العراقية ووضع المنطقة بأسرها، مرحلة جديدة.

Ad

وفجأة أيضاً توقفت عمليات تكريت التي كانت تستهدف طرد «داعش» من مسقط رأس صدام حسين، والتي بدأت بنحو مثير للجدل بلا تنسيق مع التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، فأصبحت أول معركة شيعية خالصة تقريباً، تستهدف استعادة أول مدينة كبيرة سنية خالصة تقريباً. وبدأت العمليات باندفاع سريع وتحت شعار أن الآف المتطوعين الشيعة سيكتفون بدعم إيراني دونما حاجة إلى إسناد دولي، ولكن الجميع اصطدموا بحقيقة أن تكريت تحولت إلى مدينة مفخخة بعشرات الآف العبوات الناسفة، وأن اقتحامها يتطلب الآف الضحايا، ما أثار خلافاً حاداً كما قيل، بين الجيش العراقي من جهة، وقيادة الحشد الشعبي والمستشارين الإيرانيين من جهة أخرى، فتوقفت العمليات عند بوابة تكريت وأشاعت إحساساً بالإحباط.

وفجأة أيضاً خرج هادي العامري، وزير النقل السابق وزعيم منظمة بدر الشيعية، ليعلن أن قاسم سليماني «غادر العراق وأنه سيعود عند الحاجة». الأمر الذي فتح باب التفسيرات المتضاربة. فمن قائل، إن إيران عاقبته على فشل اقتحام تكريت، ومن قائل إن واشنطن طلبت من إيران العودة الى قواعد العمل «الطبيعية» التي تقتضي عدم اقتحام مدينة سنية إلا بتفاهم سياسي مع السنة، لإحتواء أي شد طائفي ولضمان ترتيبات «ما بعد داعش» التي ستكون مختلفة عما سبق داعش بالضرورة، وهو ما قيل إن طهران رضخت له ورأت أنه يتطلب إنسحاباً رمزياً لسليماني، لـ«ترميم» التفاهم بين واشنطن وطهران، وهو ما يحث عليه أيضاً رئيس الحكومة حيدر العبادي ويتطلبه «الحوار النووي» دونما شك.

لكن الكثير من العراقيين اغتنموا الفرصة للتندر بوضع دراماتيكي ليس من السهل عليهم فهمه، ومن أبرز ما صار يسمع بين أهل بغداد أن العبادي بقي صامتاً طوال أسابيع إزاء انزعاج العرب والأميركيين من تعاظم الدور الإيراني، لكن وبمجرد مغادرة سليماني الأراضي العراقية، «انفتحت قريحة» رئيس الوزراء فأجرى اتصالات بخمس دول عربية في ليلة واحدة لطمأنتهم بشأن الأوضاع، كما اتصل بواشنطن خلال حوار سريع تضمن تحديد موعد لزيارة رسمية سيقوم بها قريباً. والعراقيون قالوا لحظتها، إن سليماني كان «يكتم أنفاس العبادي» إلى درجة أن الأخير انهمك باتصالات مكثفة بالقادة العرب بمجرد رحيل جنرال «الباسداران». أما مسؤولو تكريت «السنة»، فقد «تنفسوا الصعداء» وقالوا، إنهم سعداء برحيل الجنرال الإيراني، فرغم أنهم ولمقتضيات عدة، قاموا بتأجيل مؤقت لحساسيتهم من دور سليماني، إلا أنهم كانوا محرجين أمام جمهورهم السني، الذي يريد طرد «داعش» بالتأكيد، لكنه يعجز عن فهم أن العملية تتم بقيادة إيرانية، وبدون مشاركة واضحة لأهل المدينة أو للتحالف الدولي.