عصر انحطاط جديد

نشر في 18-05-2015
آخر تحديث 18-05-2015 | 00:01
 فوزية شويش السالم المرأة الإماراتية التي انفعلت بشدة حينما رأت الممثلة المصرية عبير صبري وصديقتها الممثلة التونسية فريال يوسف ترتديان ملابس أقرب إلى العري، مما أثار حفيظتها وغيرتها على وطنها الخليجي المحافظ الذي مازالت الأغلبية العظمى من مواطنيه متمسكة بعاداتها وتقاليدها المحافظة، مما دفعها إلى التهجم عليهما بعنف وبألفاظ نابية، أساءت إلى نفسها وقلب الأمر ضدها، لأنها مارست الحسبة من دون أي تفويض بذلك، ولو أنها أحسنت التعامل معهما باللطف واللين والأدب لبات الموضوع لمصلحتها، فمن حق المواطن أن "يزعل" ويغار على وطنه حينما يرى ما يسيء إليه ويضره.

موضوعها ليس من اختصاصي، لكن ما يهمني هو حالة انحطاط هذا العصر الذي نعيشه، وهو شبيه بعصر انحطاط عاشه الفيلسوف المفكر ابن رشد، الذي مر بزمن يشبه زمننا الذي نعيشه الآن بكل مساوئه، بل نحن نعيش الآن زمن انحطاط لا أظن أنه قد مر على أي حقبة تاريخية مثله، فلانحطاط عصرنا مميزات لم يحصل على مثلها أي عصر آخر، فنحن قد قُدر لنا عطايا وهبات من انفلات الرذيلة لم تُعط لأحد قبلنا، فالانفتاح العالمي الذي تم بفضل التقنيات الإلكترونية التي جعلت من الإعلام سيد العالم بلا منافس، حتى بات وسيلة سلاح قتل فتاك فمن خلاله يتم تدمير عادات وتقاليد وتراث حضارات عاشت وخُلدت لمئات السنين في سلام وأمان، إلى أن بزغ فجر الإعلام الإلكتروني الساحق الماحق الذي بات بإمكانه اختراق وفضح كل حاجب وساتر، وأصبح العالم كله بمن فيه مكشوفا ومفضوحا، ومن السهل الوصول الى أي هدف وأي غرض كان مهما كان نوعه، لا يستثنى منه أحد، ولا يهم نوع الوسيلة التي تستخدم، من السياسة والاقتصاد والأديان والسلاح والأفراد والدول، لا أحد يقع خارج نطاقه ولا أحد يفلت من شباكه.

دور الإعلام الآن هو السلاح الذي تستعمله الدول العظمى لتحصل على كل ما تريده وما تخطط له بحنكة ودهاء وتدبير لا مثيل له في التاريخ السابق لها، حتى بات العالم كله في قبضة يد أميركا وحلفائها، وهو ما نحصد نتائجه الآن في معظم الدول العربية والخليجية التي باتت كلها لعبة لأميركا التي خطط إعلامها ودبر كل مؤامرات الربيع العربي وما لحقه من توابع زلزالية في المنطقة العربية.

الإعلام الإلكتروني لم يكتف بخطط تجيش الشباب ضد أوطانه، بل انه بات يلعب على تغيير عادات وتقاليد وثوابت الناس في حياتهم وتراث حضاراتهم حتى انقلبت حياتهم على أعقابها وما عادوا كما كانوا في السابق، واختل ميزان حياتهم، وانقسموا ما بين التطرف والتشدد ضد كل هذا الانفلات التحرري غير الأخلاقي الذي دفعهم الى الانضمام الى المجموعات الإرهابية التي احتوتهم بفكرها المتطرف، والبعض الآخر اندفع في الاتجاه المضاد لهذا التطرف الديني وبات يبحث عن شكل آخر من الحرية والسلام حتى لو كان عن طريق اعتناق أديان أخرى أكثر سماحة وسلاما من هذا الشكل الذي بات يمارس دوره الإرهاب الديني كردة فعل على ما يراه ويسمعه من تشويه في دينه، وهو الأمر الأخطر في هذه التحولات التي باتت تجتاح المجتمعات العربية والخليجية المعقودة بيد الإعلام الفضائي الدولي والإلكتروني، وهذا ما انعكس بروح الغضب على كل من أدرك وشعر بكل هذه التغيرات السيئة العاصفة بكل ما اعتادت عليه حياة الناس من هدوء وأمن واستقرار، وهو ما دفع هذه المرأة الإماراتية للفزع والصراخ بوجه الممثلتين في المول، ربما لم تكونا هما السبب الحقيقي والأساسي لثورتها، لكنه الغضب من كل ما طرأ على الحياة من تغيير في السلوكيات الواردة والمهاجمة بكم هائل من العري واللاأخلاقيات التي تبثها وسائل الإعلام الإلكتروني بكل شبكاتها وأنواعها حتى باتت الأمر العادي الذي يتغلغل في الحياة اليومية للصغار والكبار، وأصبح الجسد العاري للمرأة وسيلة الإعلام المفضلة إن كان للأزياء أو الغذاء أو لترويج البضائع حتى وإن كانت إطارات سيارات بدون توضيح أو ربط ماهية علاقة جسد امرأة عار مع الترويج لإطارات السيارات؟

نحن اليوم نعيش في عصر انحطاط لم يسبق له مثيل حتى وإن أُطلق عليه عصر الثورة المعلوماتية.

back to top