فجر يوم جديد: {الخيال الغائب} !
شاءت الأقدار أن أشاهد الفيلم الأميركي Ex Machina»»، الذي كتبه وأخرجه البريطاني أليكس جارلاند، واستقبلته الصالات الأميركية الشهر الماضي، وفور أن فرغت من متابعته تملكني شعور هو مزيج من المتعة والإحباط والصدمة بالطبع! أما المتعة فتعود إلى الدقة التي اتسم بها الفيلم، والسحر الذي ملأ أرجاءه، والأداء التمثيلي المذهل لأبطاله، في حين أصبت بإحباط لأن السينما المصرية - والعربية بالتبعية - تجهل النوع المسمى {أفلام الخيال العلمي} Science Fiction Movies الذي ينتمي إليه الفيلم الأميركي، الذي يتحدث عن توصل عالم إلى {حاسوب} يمتلك {ذكاءً اصطناعياً} يصعب على من يتعامل معه أن يُفرق بينه وبني البشر، بينما اكتشفت – وهنا الصدمة – أنه باستثناء أفلام قليلة لا تتجاوز في عددها أصابع اليد الواحدة، فإن السينما المصرية نأت تماماً عن {أفلام الخيال العلمي}، بل إن عدداً غير قليل من كتابها ومخرجيها ومنتجيها التبس عليهم الأمر فخيل إليهم أن أفلام {الفانتازيا} و}الغيبيات} هي فصيلٌ من {أفلام الخيال العلمي}!
الخيال العلمي في تعريف الموسوعة الحرة {ويكيبيديا} هو {وسيلة لفهم العالم من خلال التكهن ورواية القصص، وتعود جذوره إلى الميثولوجيا}، وهو أيضاً {عالم يصنعه المؤلف مستعيناً بتقنيات متضمنة فرضيات أو استخدام لنظريات وظواهر علمية فيزيائية أو بيولوجية أو تكنولوجية أو حتى فلسفية تضع يديه على ما ستؤول إليه الحياة}، وانطلاقاً من هذا التعريف نكتشف أن اصطلاح {أفلام الخيال العلمي} ينطبق على أفلام مصرية بعينها، أهمها الفيلم النادر {رحلة إلى القمر} (1959)، الذي أنتجه وأخرجه وكتب له السيناريو حمادة عبد الوهاب، فيلم {قاهر الزمن} (1987) المعتمد على قصة لأديب الخيال العلمي نهاد شريف أخرجها للشاشة كمال الشيخ وفيلم {الرقص مع الشيطان} (1993) تأليف محمد خليل الزهار وإخراج علاء محجوب وفيلم {سمير وشهير وبهير} (2010) إخراج معتز التوني. في {رحلة إلى القمر}، الذي لم تشر عناوينه إلى اسم كاتب قصته، يتخيل كاتبه ومخرجه أن مصر صنعت صاروخاً انطلق – بطريق الخطأ - إلى القمر، وفي داخله العالم الألماني الذي اخترعه ومندوب مصلحة الأرصاد الجوية وسائق مؤسسة أخبار اليوم، ووضح أن الفيلم أنتج بعد عامين من إطلاق المسبار الفضائي {سبوتنيك 2}، الذي حمل أول حيوان إلى الفضاء - الكلبة {لاكي} - في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1957، ورغم قيام المخرج، وهو نفسه المنتج، ببناء هيكل للصاروخ، إلا أن الفيلم اتسم بالضعف نتيجة هزال الموازنة، وفقر الإمكانات، بالإضافة إلى سطحية الرؤية والتناول وركاكة التنفيذ! أما كمال الشيخ مخرج فيلم {قاهر الزمن} فأمن بعلم {الكرايونيكس}، الذي يُعنى بتجميد أجساد البشر والحيوانات الذين عجز الطب التقليدي عن علاج أمراضهم العضال تحسباً لظهور دواء يعجل بشفائهم في المستقبل، لكن الفيلم فشل، وهو المصير الذي واجه فيلم {الرقص مع الشيطان} إنتاج وإخراج علاء محجوب، حيث البطل الذي توصل إلى عقار يبحر به عبر الزمن، لكن الكاتب محمد خليل الزهار ارتكب خطأ فادحاً عندما ربط بين العلم والدين، وقدم بطله، الذي حصل على الدكتوراه من الاتحاد السوفييتي، بوصفه علماني مُلحد باع نفسه للشيطان، وعندما عاد إلى ربه تخلص من هلاوسه، ومنذ المشاهد الأولى تبنى الفيلم مقولة: {علم من غير قيم يدمر ما يطورش}، بينما لعب فيلم {سمير وشهير وبهير} على فكرة آلة الزمن! يخطئ من يظن أن السينما المصرية نأت بنفسها عن {أفلام الخيال العلمي} نتيجة فقر الفكر والإمكانات، فالأفلام القليلة التي أنتجت في هذا الصدد تؤكد أن بعض الكتاب والمخرجين والمنتجين رسخ في يقينهم أنها أفلام صادمة للرأي العام ومثيرة للجدل بشكل دائم، وتجر على أصحابها الكثير من المشاكل، على رأسها الاتهام بأنها أفلام تناهض الدين، وتدعو إلى الإلحاد، كما تروج للخرافة، وليست سوى معاول تهدم الثوابت الدينية، وتضرب القيم الأخلاقية! من هنا آثرت الغالبية ألا تضع نفسها في صدام مع شعب مفطور على الدين، ويناهض العلم والاجتهاد، فيما اختارت قلة تقديم الأفلام التي تقترب من عوالم الجن والعفاريت «الإنس والجن» والغيبيات «استغاثة من العالم الآخر» والرعب «التعويذة»، وأصبح التفكير في تقديم فيلم ينتقل إلى حقبة زمنية مستقبلية أو تدور أحداثه في عالم ما بعد الواقع أو يحل مكانياً في الفضاء الخارجي أو يستعين بآليين «روبوتات» أو حتى «مسوخ» أو «غرباء» أمر من رابع المستحيلات! أخيراً ثمة من يرى أن أفلاماً مثل: «سمك لبن تمر هندي»، «السادة الرجال»، «بنات العم» و»حلم عزيز» هي «أفلام خيال علمي» لكن بتطبيق المعايير السابقة نُدرك أنها «فانتازيا» ليس أكثر!