الكتابة عن د. سليمان الشطي (1942-...)، تعني بين أمور كثيرة الكتابة عن وجه مشرق من أوجه الثقافة الحديثة في دولة الكويت، فهو أحد مؤسسيي رابطة الأدباء الكويتيين، وأحد أهم أعمدتها ذات الفكر التنويري الفاعلة، وأحد روّاد فن القصة القصيرة الحديثة في الكويت، ويرجع الفضل إليه وإلى مجموعة من مفكري وأدباء وفناني الكويت في وضع تصور لإنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، إضافة إلى كونه مربياً فاضلاً في جامعة الكويت في قسم اللغة العربية، وناقداً آل على نفسه أن ينبري للكتابة عن القصة والشعر والمسرح.

Ad

لا يمكن أن أتجاوز فضل د. سليمان الشطي عليَّ وتشجيعه لي في بداياتي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وأنه أحد الذين شجعوني ودفعوني لطباعة مجموعتي القصصية الأولى، ولذا فكتابتي عنه هي كتابة طالب عن أستاذه.

"الورد لك... الشوك لي" الصادرة عن مكتبة آفاق، 2014، رواية د. سليمان الشطي الثانية، بعد روايته الأولى "صمت يتمدد" الصادرة عن المؤسسة العربية للطباعة والنشر، 2009. هي رواية كويتية بامتياز، بدءاً بموضوعها وبيئاتها، مروراً بحواراتها باللهجة الكويتية، عبوراً فوق حضور صور من المجتمع الكويتي القديم، بعاداته ووصله وقسوته. وانتهاء ببطلتها "فوزية" التي تمثل صوتاً لافتاً لمعاناة وإصرار المرأة الكويتية على عيش حياة يرسمها حلم راحة الفكر والقلب، وتعصف بها تناقضات الواقع، وطبيعة علاقة المرأة بالرجل. في مجتمع تشده عادات مستحكمة من جهة، وتتنازعه الرغبات الإنسانية المشروعة من جهة ثانية.

"فوزية" عاشت عذابات علاقة أمها "شيخة" مع أبيها "سالم"، ورأت كيف سطت خالتها "دانة" بعد طلاقها لتفوز بقلب أبيها، وانحفرت بقلبها لحظات سقوط أمها وهي ترى زوجها يزفه غناء الرجال لزوجته الجديدة. وهي الفتاة الصغيرة التي "انحفرت بخاصرتها" أصابع قدم "إسماعيل" ابن جيرانهم، حين تمدد إلى جانبها على الأرض، بقرب أمها وأمه. وهي "فوزية" التي انفتح وعيها على دراسة الفلسفة في مصر العروبة، وذاقت روحها طعم الحرية والأنس مع صديقاتها وسط حكايات الحب الكثيرة. وأخيراً هي الفتاة الكويتية التي تزوجت بابن عمها "نجيب"، وعاشت معه تقلبات الرجل الكويتي، حتى ضاقت روحها بتلونه فطالبت بحقها بالطلاق حتى حصلت عليه!

"الورد لك.. الشوك لي" تقدم حكاية بطلتها "فوزية" بمستوى أول ظاهري، لكن هذه الحكاية تأتي محمولة على مرافعة محام يدافع عن كتاب بعنوان "قراءة غير خبيثة في نصوص مؤثرة.. وانحياز التأويل" وهو كتاب قاد صاحبته إلى المحكمة بتهمة "أنه قد تضمّن مساساً بنصوص مقدسة" لكن دفاعها ضمن لها البراءة، ومن خلال ذلك، يمرر د. سليمان الشطي بذكاء الكاتب المتمكّن مقولات فكرية واجتماعية كثيرة تخصّ قناعات وتقلبات وطبيعة علاقات المجتمع الكويتي، متعرضاً إلى أمور في غاية الأهمية: كتحولات علاقة المرأة بالرجل، وتقلبات المجتمع الكويتي ابان العقود الماضية، وانعكاسها الفكري على جيل من الشباب الكويتيين المتعلمين، متمثلاً بشخصية "نجيب"، الذي يتزيا بثوب مصالحه، فيأخذه من انفتاح أميركا إلى لحية ودشداشة قصيرة، وزوجة ثانية. كما تحاكي الرواية المذهبية وفكر الآخر متمثلاً بقناعات ومواقف اللبناني "ريمون"، وهي إلى جانب هذا كله تشريح عميق لعاطفة المرأة الكويتية وموقفها حيال الجنس والرجل والزواج والطلاق، في مجتمع يعيش تناقض الفكر الأصولي وممارسات الحياة العصرية.

يرى النقدُ في العنوان عتبة أولى لدخول النص. ويمكن قراءة عنوان رواية د. الشطي بأكثر من معنى فقد يكون "الوردُ لكَ.. الشوكُ لي" أو يكون "الوردُ لكِ.. الشوكُ لي"، وما بين الفتحة على "لك" أو الكسرة، ترفض الرواية أن تسلم نفسها إلا لمن يغوص في كل كلمة من كلماتها!