يبدو أن مؤسسة الرئاسة في تونس، مع تسلم الرئيس الجديد الباجي قايد السبسي للسلطة، ستخضع لأول اختبار سياسي وقانوني في التعاطي مع بقية المؤسسات الدستورية، ويتعلق الأمر أساسا بهيئة الحقيقة والكرامة التي تشكلت بموجب قانون العدالة الانتقالية للنظر في انتهاكات يقال إنها وقعت طوال فترة حكم الحزب الواحد منذ عام 1955.

Ad

ويتيح القانون للهيئة النظر في الأرشيف السياسي بالغ الحساسية في مقر الرئاسة، ضمن تحقيقاتها عن حالات الانتهاكات.

كما يسمح لها القانون بعقد جلسات استماع سرية وعلنية لضحايا الانتهاكات والقمع والاعتقالات في صفوف المعارضين والنشطاء والبحث في حالات الاختفاء القسري وبجبر الأضرار المادية والمعنوية للمتضررين.

وعمليا تشمل فترة عمل الهيئة حكمي الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة مؤسس دولة الاستقلال، ومن بعده الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي الذي أطيح به عبر ثورة شعبية في 2011، حتى تاريخ صدور قانون العدالة الانتقالية.

وتقلد السبسي مناصب مهمة خلال الفترتين، آخرها رئيس البرلمان عام 1991.

وبدأ الجدل مع قرار الهيئة يوم الخميس الماضي بالتوجه إلى قصر الرئاسة مع ست شاحنات عسكرية، لنقل الأرشيف السياسي، قبل أيام قليلة من نقل السلطة من الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي إلى الرئيس المنتخب الباجي قايد السبسي، والمتوقع إجراؤها غدا.

لكن الأمن الرئاسي امتنع عن تسليم الأرشيف إلى رئيسة الهيئة سهام بن سدرين. وقال ممثل عن الأمن الرئاسي إنه يفضل تسليم الأرشيف بالتنسيق بين الرئيس الجديد والهيئة، في ظل وجود جدل قانوني.

واعتبر حزب حركة نداء تونس، الذي ينتمي له السبسي، أن استباق الهيئة لاستلام الأرشيف السياسي في هذا التوقيت بالذات قبل نقل السلطة إلى الرئيس المنتخب يخفي أمرا مثيرا للشكوك.

وأعلنت نقابة الأمن الجمهوري، في بيان أصدرته أمس، أن هناك «نية مبيتة لاختيار هذا التوقيت المشبوه لنقل الأرشيف الرئاسي بطريقة تمس من هيبة الدولة».

وأوضحت أنه «لم يتم التنسيق مع مصلحة التصرف في الوثائق والأرشيف في وزارة الداخلية، لوجود ملفات أمنية سرية مهمة جدا تتعلق بالأمن القومي للبلاد، ولا يمكن لأي كان النفاذ إليها إلا بإذن من مجلس الشعب والسلطة القضائية».

وقالت رئاسة الجمهورية إن تصرف الأمن الرئاسي، وامتناعه عن تسليم الأرشيف السياسي، «لا يعبر عن موقفها من هيئة الحقيقة والكرامة، وانها ملتزمة بالتعاون مع كل الهيئات الدستورية وفق ما يضبطه القانون».

ولم يتضح بعد كيف سيتم حسم أزمة الأرشيف السياسي مع تضارب آراء رجال القانون حول طرق النفاذ إلى الأرشيف. وفي كل الأحوال، تم ترحيل الملف إلى حين استلام السبسي منصبه، لكن التوقعات تشير إلى أزمة مبكرة بين الهيئتين الدستوريتين.

(تونس - د ب أ)