هل تكون «تدمر» نقطة تحول في سورية؟

نشر في 25-05-2015
آخر تحديث 25-05-2015 | 00:01
صحيح أن الاستيلاء على تدمر شكل انتصاراً كبيراً لـ«داعش»، إلا أن هذا الموقع الأثري قد يتحول بالنسبة إلى الأسد، سواء عمداً أو عن غير قصد، إلى نجاح دعائي مماثل لما قدمته دوبروفنيك للكروات.
 بلومبرغ • سيطر "داعش" أخيراً على مدينة تدمر في سورية، مهدداً آثارها المميزة ومثيراً سؤالين: لمَ لم تقاتل الحكومة وجيشها بقوة أكبر للاحتفاظ بالمدينة وحقولها النفطية؟ وهل يطلق المتشددون الإسلاميون اليوم حفلة تدمير ثقافي، كما فعلوا في العراق؟ قد تمر فترة قبل أن نعلم الظروف التي كانت بالتحديد وراء الاستيلاء على تدمر، هذا إن عرفناها مطلقاً. لكن صاحب المقهى الذي راح يصيح "خيانة! هذه خيانة!"، في حين كان الجنود ورجال الشرطة يهربون، يملك كل سبب للشك، فتشكل العلاقات العامة جزءاً لا يتجزأ من الحرب، وقد تعود خسارة تدمر بالفائدة على الرئيس السوري بشار الأسد.

حدث أمر مماثل في مدينة دوبروفنيك، جوهرة البحر الأدرياتيكي في كرواتيا، عام 1991 خلال الحرب اليوغوسلافية، فقد شكلت معركة دوبروفنيك نقطة تحول في الصراع، ليس لأن الكروات صبوا مواردهم نحو المدينة للدفاع عنها، بل لأنهم لم يفعلوا ذلك (إما لأنهم اختاروا خطة مماثلة أو لأنهم لا يملكون الموارد الضرورية) حتى مرحلة لاحقة، فقد أخبر القائد الكرواتي، الجنرال نويكو مارينوفيتش (الذي حاول في تلك الفترة الإعراب كل يوم عن شجاعة كبيرة خلال تصريحاته الصباحية أمام المراسلين)، أنه أدرك بسرعة أن "الدفاع عن المدينة مستحيل".

دخل الجنود الصرب في الجيش اليوغوسلافي سيراً على الأقدام تقريباً إلى مدينة دوبروفنيك، ولم يواجهوا ما يبطئ تقدمهم سوى التعقيدات اللوجستية بسبب عمليات النهب، وهكذا حاصروا المدينة، ودمروا المدينة الحديثة خارج أسوار المدينة القديمة، وكانوا من الغباء بمكان، حتى إنهم ألقوا بعدد كبير من القذائف على المدينة الفينيسية القديمة التي لا تعوَّض، مع أنهم أكدوا أنهم لن يقدموا على أمر مماثل. نتيجة لذلك ازداد الرأي الدولي اقتناعاً بأن الصرب متوحشون في حرب كان كثيرون، على غرار وزير الخارجية الأميركي جيمس بايكر، يشعرون حتى تلك المرحلة أن "لا دخل لهم فيها".

يعرف العالم مسبقاً أن "داعش" مجموعة متوحشة، إلا أنه لم يصطف بعد إلى جانب الأسد، فمنذ بداية الصراع السوري قبل بضعة أعوام، كان هدف الأسد إقناع العالم بأنه أقل الشرين، وأنه ضروري لكبح لجام التطرف الإسلامي؛ ولهذا السبب عزز نمو "داعش"، مركزاً نيرانه على قوات الثوار المعتدلين بدلاً من ذلك. إذاً، صحيح أن الاستيلاء على تدمر شكل انتصاراً كبيراً لـ"داعش"، إلا أن هذا الموقع الأثري قد يتحول بالنسبة إلى الأسد، سواء عمداً أو عن غير قصد، إلى نجاح دعائي مماثل لما قدمته دوبروفنيك للكروات.

لكن السؤال الذي ينشأ هنا: هل يحقق "داعش" كل التوقعات ويدمر كنزاً آخر من كنوز التاريخ البشري التي لا تعوّض؟ بالنظر إلى سجله في العراق، يكون الجواب "نعم" على الأرجح، لكن احترام تدمر لا يتوقف عند الانقسامات السورية، وقد سعى "داعش" أحياناً للظهور بمظهر السوري الحقيقي أكثر منه الأجنبي بغية الفوز بالدعم المحلي. ولكن لا يسعنا إلا أن ننتظر ونأمل الخير.

مارك تشامبيون - Marc Champion

back to top